الفصل الثامن
بقاء الجواز عند نسخ الوجوب
إذا استعقب وجوبَ الشيء نسخُه فهل يبقى الجواز بعد نسخ الوجوب أو لا؟ مثلاً إنّه سبحانه أمر المؤمنين إذا أرادوا النجوى مع رسول اللّه أن يُقدِّموا صدقة قبل نجواهم حتّى يُصان بذلك وقتُ النبي الثمين ، حيث كان الأكثر راغبين في النجوى والمسارّة مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أُمور تافهة غير ناجعة ، فلأجل الحيلولة دون فوات وقت النبي أمرهم بإعطاء دينار ، وقد حكاه سبحانه في الذكر الحكيم بقوله : ( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيم ). (١)
ولمّا نُهوا عن المناجاة إلا بالصدقة ضنّ كثير من الناس بماله فلم يناجه أحد إلا علي بن أبي طالب عليهالسلام حيث تصدّق بدينار وناجى ، وبذلك امتحن المؤمنون امتحاناً في ذلك المجال. ولمّا حصلت الغاية المتوخّاة من فرض الصدقة وعلم أنّ الدينار عند الأكثر أثمن من وقت النبي فاجأهم النسخ بقوله سبحانه : ( أأشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدقات فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُون ). (٢)
__________________
١. المجادلة : ١٢.
٢. المجادلة : ١٣.