ورتب على ذلك أنّ الوجوب والحرمة ليسا مجعولين شرعاً ، بل منتزعان من اعتبار الشارع شيئاً في الذمة فينتزع منه الوجوب ، ومن اعتبار محرومية المكلف من الفعل فينتزع منه الحرمة ، فالمجعول إنّما هو نفس ذلك الاعتبار ( اعتبار الشيء في ذمة الإنسان أو محروميته عن الشيء ) لا الوجوب والحرمة إلى أن قال : وعلى ذلك لا يعقل القول بأنّ المرفوع هو نسخ الوجوب دون جنسه ضرورة انّ الوجوب ليس مجعولاً شرعيّاً ليكون هو المرفوع بتمام ذاته أو بفصله. (١)
يلاحظ عليه أوّلاً : بأنّ ما أفاده من أنّ الوجوب من الأُمور المنتزعة وإن كان صحيحاً لكن تفسير الوجوب بجعل الفعل في ذمة المكلّف والحرمة بحرمان المكلف عن الفعل تفسير غير تام وذلك لتغاير الاعتبار في المثالين التاليين :
أ. له عليه دين كذا أو له على زيد عمل يوم.
ب. أدِّ دينك أو اعمل في هذا اليوم.
فانّ الاعتبار في المورد الأوّل هو جعل الفعل في ذمّة المكلّف بخلاف الاعتبار في الثاني ففيه البعث إلى أداء الدين ، والعمل في اليوم ، فإرجاع أحد الاعتبارين إلى الآخر أمر غير تام.
وثانياً : أنّ الالتزام بكون الحرمة غير مجعولة وانّه ينتزع من حرمان المكلّف عن الفعل أمر لا يساعده الكتاب العزيز فانّ الظاهر منه إنشاء نفس الحرمة بالمصطلح الدارج فلاحظ الآيات التالية :
قوله تعالى : ( إِنّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ). (٢)
وقوله تعالى : ( وَأَحلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ). (٣)
__________________
١. المحاضرات : ٤ / ٢٣.
٢. البقرة : ١٧٣.
٣. البقرة : ٢٧٥.