بأظهرية الدليل الثاني ـ ببقاء الجواز والرجحان.
يلاحظ على الأوّل : أنّه ليس للأمر إلا ظهور واحد وهو البعث نحو المأمور به ، فإذا دلّ الناسخ على أنّ المولى رفع اليد عن بعثه فلا معنى للالتزام ببقاء الجواز والرجحان ، إذ ليس له إلا ظهور واحد لا ظهورات متعددة حتّى يؤخذ بالباقي.
وأمّا الثاني : فانّ قياس المقام بالدليلين المتعارضين قياس مع الفارق ، لأنّ استكشاف الجواز هنا إنّما هو لاتفاق الدليلين عليه ، وذلك لأجل تحكيم الأظهر ( لا بأس بترك إكرامه ) على الظاهر ( أكرم زيداً ) ، وأمّا المقام فليس من هذا القبيل بل هو من قبيل نفي الدليل الأوّل بالدليل الثاني.
وبكلمة مختصرة ليس هنا أيُّ دليل على بقاء الجواز ، أمّا المنسوخ فالمفروض ارتفاعه ، وأمّا الناسخ فالمفروض انّ مفاده منحصر في رفع البعث أو الوجوب ( على القول بكونه مدلولاً لفظياً لا إثبات أمر آخر ).
هذا كلّه حول القرينة الداخلية ، وأمّا القرينة الخارجية فليس هناك دليل إلا الاستصحاب بأن يقال كان التصدّق قبل النجوى جائزاً والأصل بقاؤه حتّى بعد النسخ.
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّه يشترط في المستصحب أن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي ، ولكن الجواز ليس حكماً شرعياً ، لأنّ المراد من الجواز في المقام هو الجواز الجامع بين الأحكام الأربعة ومن المعلوم أنّه أمر عقلي ينتزعه العقل من البعث إلى المأمور به الكاشف عن الإرادة الحتمية ، الكاشفة عن جوازه عند المولى فلا يكون عندئذ حكماً شرعياً قابلاً للاستصحاب.
وثانياً : انّ الاستصحاب في المقام أشبه بالقسم الثالث من أقسام