يلاحظ عليه : بأنّ الدنيا في التمثيلات المتقدّمة شبهت بأُمور متماثلة في الحقيقة والمعنى كما في تشبيهها بماء أنزل من السماء أو باللعب واللهو أو ببيت عنكبوت ، فالمشبه به وإن كان مختلفاً صورة ، ولكنّه واحد معنى وهدفاً ، فلو نظرنا إلى الدنيا من حيث سرعة الفناء وعدم الخلود فالدنيا أمر غير باق زائل ، كزوال طراوة الورود والأزهار والأشجار الخضراء ، أو زوال اللهو واللعب بسرعة حيث يتمّ بعد ساعة أو ساعتين ، وانخرام بيت العنكبوب بقطرة ماء أو شعلة نار أو بنسيم الصبا وأمثالها.
فلا يصحّ أن يقال : انّ واقع الدنيا لا ينحصر في الأوّل ، إذ لا فرق بين الأوّل والثاني والثالث فالجميع إشارة إلى أمر واحد.
فإن قلت : ما معنى الحصر في قوله سبحانه : ( قُلْ إِنّما يُوحَى إِليَّ أَنّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون ) (١) ، وقوله سبحانه : ( قُلْ إِنّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِليَّ أَنّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِك بِعِبادِةِ رَبِّهِ أَحداً ) (٢) حيث إنّه أوحى إلى النبي أشياء كثيرة وراء قوله : إله واحد فلو قلنا بالحصر يجب أن يكون الموحى إليه أمراً واحداً.
قلت : إنّ الحصر في الآية إضافي وليس بحقيقي فليست الآية بصدد بيان انّه لم يوح إليه طول رسالته إلا أمر واحد ، بل بصدد بيان أنّ الذي أُوحي إليه في مجال معرفة اللّه شيء واحد ، وهو انّه إله واحد لا اثنان كما عليه الثنوية ولا ثلاثة كما عليه المسيحية ، ولا أكثر كما عليه المشركون ، ففي هذا المجال لم يوح إليه إلا شيء واحد.
__________________
١. الأنبياء : ١٠٨.
٢. الكهف : ١١٠.