في نفس الآية ومقارنتها بالآيات الأُخرى يتبيّن أنّ الغرض تشبيه الإحاطة العقلية بالإحاطة الحسّية تقريباً للأذهان ومعاذ اللّه أن تكون إحاطته بالإنسان كإحاطة الصيّاد بصيد.
٢. إنّه سبحانه يريد أن يبيّن عظمته يوم القيامة ، فبيّنها بقوله : ( كَلاّ إِذا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّا * وَجِيئَ يَوْمَئِذ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذ يَتَذَّكَرُ الإِنْسانُ وَأَنّا لَهُ الذِّكْرى ). (١)
وهو بظاهره يفيد ، نسبة المجيء إليه سبحانه وبالتالي جسميته والذي أوقع التشابه فيه ، أي تشابه المراد هو نزول المعارف العقلية العليا إلى موقع الحس واللمس. فإنّ ظهور عظمته وقهره يوم القيامة باندكاك الجبال وظهور جهنّم يعد مجيئاً له.
٣. يقول سبحانه : ( يا إِبْليسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلْقتُ بِيَديَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العالِين ) (٢). فأصحاب الأهواء يثبتون له سبحانه يدين جسمانيتين ، أو يقولون لا نعلم كيفيتهما ، ولكنّه لو أُمعن النظر يعلم أنّ التصريح بأنّه سبحانه خلق آدم بيديه كناية عن الاهتمام بخلقة آدم حيث خلقه ونفخ فيه من روحه وعلّمه الأسماء حتّى يتسنّى بذلك ذمّ إبليس على ترك السجود لآدم وأنّه ترك السجود لما قام بخلقته مباشرة وإنّما أتى « باليدين » لأنّ الغالب في عمل الإنسان هو القيام به باستعمال اليد ، يقول : هذا البناء بنيته بيدي ، مع أنّه استعان في عمله هذا بعينه وسمعه وغيرهما من الأعضاء ، وكأنّه سبحانه يندد بالشيطان بأنّك تركت السجود لموجود اهتممتُ بخلقه وصنعه.
٤. قوله سبحانه : ( الرَّحمن على العَرْشِ اسْتَوى ) (٣) في اللغة هو السرير ،
__________________
١. الفجر : ٢١ ـ ٢٣.
٢. ص : ٧٥.
٣. طه : ٥.