التشخّص بالاعراض وانّ الجواهر تتشخّص بالكم والكيف وسائر الاعراض ، فالإنسان الطبيعي بالبياض والسواد يتميّز عن الآخر ، كما أنّه بطول قامته وقصرها يتميّز عن الآخر وهكذا.
ولكن انقلب الرأي السائد في عصر الفارابي إلى يومنا هذا بأنّ تشخّص الإنسان بوجوده ، ومع قطع النظر عن الوجود فالإنسان كلّي ، وضم كلي ( العرض ) إلى كلي آخر لا يفيد التشخّص ، فإذاً التشخّص الخارجي ، يتحقق بنفس وجود الجوهر فله طبيعة ووجود ، كما أنّ للعرض طبيعة ووجوداً ، فالوجود هو الذي يضفي التشخّص على الجوهر وعلى العرض ، فتعيّن الجوهر بوجوده كما أنّ تعيّن العرض به ولا يتشخّص الجوهر لا بطبيعة العرض ولا بوجوده.
هذا هو مصطلح الفلاسفة المتأخرين عن الفارابي ولكنّ للتشخّص اصطلاحاً آخر عند الأُصوليين وهو مبنيّ على الفهم العرفي ، حيث إنّ تميّز فرد عن فرد آخر عند العرف بعوارضه واعراضه ككون زيد أبيض وأطول من عمرو الذي هو أسود وأقصر ، أو كون زيد ابن فلان وعمرو ابن فلان آخر ، فهذه الاعراض تميّز الجواهر بعضها عن بعض. وكلّ من المصطلحين صحيح في موطنه ، ففي الدقّة العقلية التشخّص مطلقاً بالوجود لا بالاعراض ولكن التشخّص بين الناس إنّما هو بالاعراض ولكل قوم مصطلحهم ومشربهم.
الثالث : ما اختاره سيدنا الأُستاذ قدسسره وهو انّ المراد من الافراد هو المصاديق المتصوّرة بنحو الإجمال كما هو الحال في الوضع العام والموضوع له الخاص فيكون معنى « صلّ » أوجد فرد الصلاة ومصداقها ، لا بمعنى انّ الواجب هو الفرد الخارجي أو الذهني بما هو كذلك ، بل ذات الفرد المتصوّر إجمالاً ، فانّ الافراد قابلة للتصوّر إجمالاً قبل وجودها كما انّ الطبيعة قابلة للتصوّر كذلك. (١)
__________________
١. تهذيب الأُصول : ١ / ٣٤٣.