فهل يبقى للمؤمن المنصف ريب في صحّة الحكاية بعد رواية هؤلاء المشايخ الفقهاء الحفّاظ الأئمّة في فنون الحديث إلاّ أن يكون في قلبه مرض النفاق والبغض لآل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ هذا الحشويّ اعتمد في عقيدته في الحشو والتشبيه أحاديث لم يعتمدها واحد من مثل هؤلاء الأعاظـم المحدّثين، والحمد لله الذي أخزاه وحرمه محبّة العترة ومودّة القربى الطاهرين من آل خير المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وبعد ما بينّاه من مجيئه عليهالسلام إلى العراق أيّام المنصور ورواية الحفّاظ لتلك الكرامة بالإسناد والاستفاضة، تعرف باقي ما ذكره ابن تيميّة ممّا تضحك منه الثكلى، فإنّ الأولياء إذا أرادوا العزلة في السفر إلى بيت الله قدروا عليه بكلّ وجه كما هو المنقول عن آباء موسى بن جعفر كالإمام زين العابدين (١) بل والحسن بن أمير المؤمنين (٢) ، كما يظهر لمن راجع السير والتواريخ، على أنّ تاريخ القصّة سنة تسع وأربعين ومائة بعد موت أبيه بسنة في أيّام المنصور، فإنّه عاش إلى آخر سنة ثمان وخمسين ومائة، فأين الاتّهام بالملك ما أحمقك! إنّما ذلك في أيّام المهدي والرشيد لا في سطوة المنصور وشوكته، فإنّ الإمام موسى كان ابن أحد وعشرين سنة يوم كانت قصته مع شقيق كما عرفت فلا مجال للاتّهام بالملك أيام المنصور، لكن لايعرف ابن تيميّة قبح العثرة; لأنّ الله أصمّه وأعماه وأضلّه وجعله مثلا بين العوام.
____________________
(١و٢) انظر المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ١٣٧، وتاريخ دمشق ١٣ : ٢٤٢، وحلية الأولياء ٢ : ٣٧، ذخائر العقبى : ١٤٧، صفوة الصفوة ١ : ٣٢٠، تذكرة الخواص : ١٧٥، البداية والنهاية ٨ : ٤٠.