بسـم الله الـرّحمـن الـرّحـيم
الحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجّته، خلق الخلق من غير روية; إذ كانت الرويّات لا تليق إلاّ بذوي الضمائر، وليس بذي ضمير في نفسه، خرق علمه باطن غيب السترات، وأحاط بغموض عقائد السريرات.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، الأوّل لا شيء قبله، والآخر لا غاية له، لا يقع الأوهام له على صفة، ولا تعتمد القلوب منه على كيفية، ولا تناله التحيزية والتبعيض، ولا تحيط به الأبصار والقلوب، ما وحّده من كيّفه، ولا حقيقته أصاب مَن مثّله، ولا إياه عنى مَن شبّهه، ولاصَمَده من أشارَ إليه وتوهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، [فاعل] (١) لاباضطراب (٢) آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لاباستفادة، لا تصحبه الأوقات، ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الاُمور عرف أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لاقرين له، ضادّ النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مقرّب بين متباعداتها، مفرّق بين متدانياتها، لا يشمل بحدّ، ولا يحسب بعدّ، وإنّما تحدّ الأدوات أنفسها، وتشير [الآلات] (٣) إلى نظائرها، منعتها «منذ» القدمة، وحمتها «قد» الأزلية، وجنبتها «لو لا»
____________________
(١) أضفناه من نهج البلاغة، الخطبة : ١٨٦.
(٢) في «ب» : لا باضطرار.
(٣) في النسختين : الأدوات، وما أثبتناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦.