وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الأمر ؛ إلّا إنّه لا معصية عليه ، وأما عليه وترجيح جانب النهي : فيسقط به الأمر به مطلقا في غير العبادات لحصول الغرض الموجب له ، وأما فيها فلا مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصيرا ، فإنه وإن كان متمكنا ـ مع عدم الالتفات ـ من قصد القربة ، وقد قصدها ، إلّا إنه مع التقصير لا يصلح لأن يتقرب به أصلا فلا يقع مقرّبا ، وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة ، كما لا يخفى.
وأما إذا لم يلتفت إليها قصورا ، وقد قصد القربة بإتيانه ، فالأمر يسقط ، لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرّب به ؛ لاشتماله على المصلحة ، مع صدوره حسنا لأجل الجهل بحرمته قصورا ، فيحصل به الغرض من الأمر ، فيسقط به قطعا ، وإن لم يكن امتثالا له بناء (١) على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد
______________________________________________________
لا يكون صدوره منه حسنا ؛ بل يكون قبيحا ومبغوضا ، فإذن : لا يمكن الحكم بصحّة العبادة الفاقدة للشرط الثالث.
فالمكلف وإن كان متمكّنا مع عدم الالتفات إلى الحرمة من قصد القربة لكونه جاهلا بالحرمة. وقد قصدها. إلّا إنه مع التقصير لا يصلح لأن يتقرّب بهذا العمل إلى المولى الحكيم ؛ لما عرفت من : أنّ الجاهل المقصّر كالعالم العامد فلا يكون معذورا ، كما في الروايات ، فيكون عمله العبادي بدون قصد القربة باطلا.
وأما إذا لم يلتفت إلى الحرمة قصورا وأتى بالعمل مع قصد القربة : فيسقط الأمر ويحصل الغرض ؛ لاشتمال العمل على المصلحة وإن لم يكن امتثالا للأمر أي : وإن لم يكن سقوط الأمر امتثالا له ؛ لأن امتثال الأمر عبارة عن فعل المأمور به بداعي أمره ، ولا أمر هنا بعد ترجيح جانب النهي حسب الفرض ، فقصد التقرّب أوجب كون الفعل طاعة ، والجهل عن قصور أوجب كونه غير معصية لكون الجهل عذرا ، فيكون حسنا لا غير وإطاعة لا امتثالا.
لا يقال : إنه لا معنى للتفكيك بين سقوط الأمر ، وبين حصول امتثال الأمر ؛ بل إذا سقط الأمر وحصل الغرض فقد حصل الامتثال ، فلا معنى لقوله : «وإن لم يكن امتثالا» ، فإنه يقال : إن عنوان الامتثال إنّما يصدق فيما إذا كان المأتي به مما تعلق به الأمر وكان باقيا ؛ لا فيما إذا كان الحكم بصحة العمل من جهة محبوبيّته وحسنه أو كونه ذا ملاك ، كما في المقام.
(١) قيد للنفي وهو عدم الامتثال ، يعني : أن عدم كون الفعل مأمورا به في حال