وفيه ما لا يخفى فإنّ تخصيص الخبرة بالامور الحدسية كما ترى لأنّ الطبابة مبتنية على التجربة والحسّيات ولها خبراء يعتمد عليهم. وهكذا علم الرجال يبتني على ما رآه الرجالي من أحوال الأشخاص أو ما سمعه في هذه الناحية ومن المعلوم أنّ المرئيات والمسموعات من الحسّيات ومع ذلك له خبراء يمكن الاعتماد على أقوالهم ، هذا مضافا إلى أنّ علم اللغة لا يخلو عن حدس أيضا إذ اللغوى إذا راى الاستعمالات المتكررة في مثل رغب عنه في الإعراض ورغب فيه في التمايل حصل له الحدس بأنّ كلمة عنه بعد فعل رغب قرينة عامة على إرادة الإعراض. وهكذا كلمة فيه بعد الفعل المذكور قرينة عامة على إرادة التمايل. قال الشهيد الصدر قدسسره إنّ خبرة اللغوي كثيرا ما يكون على أساس الحدس وإعمال النظر ، فأنّه وإن كان رأس ما له السماع وتتّبع موارد الاستعمالات إلّا أنّه لا بدّ له أيضا أن يقارن بين موارد الاستعمالات ويجتهد في تخريج وتجريد المعاني التي يستعمل فيها اللفظ والتي تستفاد من مجموع تلك المسموعات (١)
فتحصّل من ذلك جوا الرجوع إلى قول اللغوي فيما يكون خبرة فيه كموارد الاستعمال فإذا أخبر بأنّ المعنى الفلانى لا يكون شائعا أمكن الاعتماد عليه.
قال شيخنا الاستاذ الأراكى قدسسره فلو شككنا من جهة موارد الاستعمال كان للرجوع إليهم وجه لانهم خبرة هذا المقام. (٢)
وهكذا يجوز الاعتماد عليه في تعيين المعاني الظاهرة من جهة القيود المختلفة كقيد عنه وفيه في فعل رغب ومن جهات اختلاف الهيئة واللزوم والتعدي والمجرد والمزيد فيه وغيرها وعليه فيجوز الاعتماد على قول اللغوي فيما كان خبرة فيه.
وأيضا يجوز الرجوع الى قول اللغوى فى تعيين الحقيقة والمجاز فيما اذا تصدى لذلك واخبر به لما عرفت من توجيه ذلك وامكانه فلا تغفل.
__________________
(١) مباحث الحجج والاصول العملية : ١ / ٢٩٦.
(٢) اصول الفقه : ١ / ٥٠٨.