ومن هنا ظهر أنّ ما ذكرنا سابقا من اتفاق العقلاء والعلماء على العمل بظواهر الكلام في الدعاوي والأقارير والشهادات والوصايا والمكاتبات لا ينفع في ردّ هذا التفصيل ، إلّا أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجة من باب التعبد ، ودون إثباتها خرط القتاد.
ودعوى : أنّ الغالب اتصال القرائن ، فاحتمال اعتماد المتكلم على القرينة المنفصلة مرجوح لندرته.
مردودة : بأنّ من المشاهد المحسوس تطرق التقييد والتخصيص إلى أكثر العمومات والإطلاقات مع عدم وجوده في الكلام ، وليس إلّا لكون الاعتماد في ذلك كله على القرائن المنفصلة سواء كانت منفصلة عند الاعتماد كالقرائن العقلية والنقلية الخارجية أم كانت مقالية متصلة لكن عرض لها الانفصال بعد ذلك لعروض التقطيع للأخبار وحصول التفاوت من جهة النقل بالمعنى أو غير ذلك فجميع ذلك مما لا يحصل الظن بأنّها لو كانت لوصلت الينا ، مع إمكان أن يقال : إنّه لو حصل الظن لم يكن على اعتباره دليل خاص ، نعم الظن الحاصل في مقابل احتمال الغفلة الحاصلة للمخاطب أو المتكلم مما أطبق عليه العقلاء في جميع أقوالهم وأفعالهم. (١)
والحاصل : أنّ المحقق القمي قدسسره ادعى أمرين : أحدهما أنّ الأخبار الدالة على الأسئلة والأجوبة الواصلة إلينا عن النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة الأطهار عليهمالسلام وهكذا الكتاب العزيز ليست كالكتب المؤلفة وإلّا فكنّا من المقصودين بالإفهام ،
وثانيهما عدم جريان الاصول العقلائية في الظواهر بالنسبة إلى غير من قصد إفهامه لاختصاص تلك الاصول بأمور جرت العادة بأنّها لو كانت لوصلت إلينا دون غيرها مما لم يكن كذلك. وعليه فلا دليل على عدم الاعتناء باحتمال إرادة الخلاف إذا كان الاحتمال المذكور مسببا عن اختفاء امور لم تصل إلينا ؛ لعدم بناء من العقلاء على جريان أصالة عدم القرينة في مثل ذلك ، ولعدم ورود دليل شرعي عليه.
__________________
(١) فرائد الاصول : ٤١ ـ ٤٢.