والجواب عنه واضح :
أمّا أوّلا : فلأنّا نمنع عدم كون الأخبار الواصلة إلينا عن النبي صلىاللهعليهوآله كالكتب المؤلّفة ؛ فإنّها وإن صدرت بعنوان الأجوبة عن الأسئلة ولكن تكون في مقام بيان وظيفة الناس من دون خصوصية للسائلين ولا لعصر دون عصر ، لا سيما فيما إذا كان السؤال من مثل زرارة ومحمّد بن مسلم فإنّ أمثالهما في مقام أخذ الجواب لصور المسائل بنحو القوانين الكلّية ولقد أفاد وأجاد سيدنا الامام قدسسره حيث قال : إنّ الخطاب في الأخبار وإن كان متوجها إلى مخاطب خاص كزرارة ومحمّد بن مسلم وأمثالهما إلّا أنّ الاحكام لما كانت مشتركة وشأن الائمة عليهمالسلام ليس إلّا بثّ الاحكام بين الناس ، فلا جرم يجري الخطاب الخاص مجرى الخطاب العام في أنّ الغرض نفس مفاد الكلام من غير دخالة إفهام متكلم خاص. (١)
وأولى بذلك الكتاب العزيز فإنّه يجري كمجرى الشمس ولا يختص بقوم دون قوم وعصر دون عصر ويدعو الناس في جميع الأزمنة إلى التدبّر في آياته والتذكر من موعظاته ، وإنكار كون خطاباته موجهة إلينا يخالف شأن القرآن كما لا يخفى.
هذا كله بالنسبة إلى الصغرى ، وهي الدعوى الاولى وهي إنكار كوننا مقصودين بالإفهام وقد عرفت أنّ الأخبار والآيات القرآنية كالكتب المؤلفة في أنّ المقصودين بالإفهام منها لا ينحصر في المخاطبين في عصر النزول والصدور ، فإنكار الصغرى في مثل الأخبار الصادرة عن ائمتنا الابرار عليهمالسلام والآيات النازلة مما لا وقع له.
واما ثانيا : فلأنّا ننكر عدم حجّية الظهورات اللفظية بالنسبة إلى غير المقصودين بالإفهام ما لم يحرز أنّ بناء المتكلم على إلقاء الرموز والاكتفاء بالقرائن الخفيّة المعلومة بين المتكلم والسامع ؛ فإنّ أصالة عدم القرينة جارية بالنسبة إلى غير المقصودين بالإفهام أيضا. والفرق في حجية أصالة عدم القرينة بين المخاطب وغيره مخالف لبناء العقلاء والسيرة القطعية من العلماء وأصحاب الأئمة عليهمالسلام ، فالكبرى المذكورة في الدعوى الثانية محل منع.
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ٩٥.