وتوضيح ذلك ـ كما افاد شيخنا الأعظم قدسسره ـ أنّ الانصاف أنّه لا فرق في العمل بالظهور اللفظي وأصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد ؛ فإنّ جميع ما دل من اجماع العلماء وأهل اللسان على حجية الظواهر بالنسبة إلى من قصد إفهامه جار فيمن لم يقصد ؛ لأنّ أهل اللسان إذا نظروا إلى كلام صادر من متكلم إلى مخاطب يحكمون بإرادة ظاهره منه إذا لم يجدوا قرينة صارفة بعد الفحص فى مظانّ وجودها ، ولا يفرقون في استخراج مرادات المتكلمين بين كونهم مقصودين بالخطاب وعدمه ، فإذا وقع المكتوب الموجّه إلى شخص بيد ثالث فلا يتأمل في استخراج مرادات المتكلم من الخطاب المتوجه إلى المكتوب إليه ، فإذا فرضنا اشتراك هذا الثالث مع المكتوب إليه فيما أراد المولى منهم فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم الاطلاع على مراد المولى ، وهذا واضح.
ولا خلاف بين العلماء أيضا في الرجوع إلى أصالة الحقيقة في الألفاظ المجردة عن القرائن الموجّهة من متكلم إلى مخاطب سواء كان ذلك في الأحكام الجزئية كالوصايا الصادرة عن الموصى المعين إلى شخص معين ثم مست الحاجة إلى العمل بها مع فقد الموصى إليه. فإنّ العلماء لا يتأملون في الافتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام الموجّه إلى الموصى إليه المفقود ، وكذا في الأقارير ، أم كان في الأحكام الكلّية كالأخبار الصادرة من الأئمة عليهمالسلام مع كون المقصود منها تفهيم مخاطبهم لا غير ... إلى أن قال : والحاصل : أنّ القطع حاصل لكل متتبع في طريقة فقهاء المسلمين بأنّهم يعملون بظواهر الأخبار من دون ابتناء ذلك على حجية الظن المطلق الثابتة بدليل الانسداد ، بل يعمل بها من يدعي الانفتاح وينكر العمل بأخبار الآحاد مدعيا كون معظم الفقه بالإجماع والأخبار المتواترة ويدل على ذلك أيضا سيرة أصحاب الائمة عليهمالسلام فإنّهم كانوا يعملون بظواهر الأخبار الواردة إليهم كما يعملون بظواهر الأقوال التي يسمعونها من أئمتهم عليهمالسلام ، ولا يفرقون بينهما إلّا بالفحص وعدمه.
والحاصل : أنّ الفرق في حجية أصالة الحقيقة وعدم القرينة بين المخاطب وغيره مخالف للسيرة القطعية من العلماء وأصحاب الأئمة عليهمالسلام (١)
__________________
(١) فرائد الاصول : ٤٢ ـ ٤٣.