وكيف كان فقد اورد المحقق الاصفهاني على صاحب الكفاية بان ما ذهب اليه خلاف ظاهر الآية الكريمة ، لان متلو أداة الشرط هو مجيء الفاسق ، لا فسق الجائي كي ينتفي الحكم بانتفاء كونه فاسقا مع حفظ مجيء الخبر حيث قال : لا يخفى عليك أن ظاهر الآية من حيث وقوع مجيء الفاسق بوجوده الرابط في تلو الشرطية : أن المعلق عليه مجيء الفاسق بنحو وجوده الرابط ، فينتفي الحكم بانتفائه ، لا فسق الجائي به بوجوده الرابط كي ينتفي الحكم بانتفاء كونه فاسقا مع حفظ مجيء الخبر ، فان الواقع موقع الفرض والتقدير هو مجيء الفاسق ، لا فسق الجائي ، فكيف يكون المجيء مفروغا عنه؟! وبالجملة فرق بين ما لو قيل أن كان الجائي بالخبر فاسقا وما لو قيل إن كان الفاسق جائيا بالخبر ، ومفاد الآية تحليلا هو الثاني ، وما يجدي في المقام هو الأول. (١)
وتبعه في مصباح الاصول حيث قال ـ بعد ذكر محتملات الآية الشريفة بحسب مقام التصور ومقام الثبوت ـ والظاهر منها في مقام الاثبات بحسب الفهم العرفي هو هذا ، (وهو ما ذكره المحقق الاصفهاني) وأوضحه في مصباح الاصول حيث قال : وأمّا أن كان الموضوع هو الفاسق ، وله حالتان : لان الفاسق قد يجيء بالنبإ وقد لا يجيء به ، وعلق وجوب التبين على مجيئه بالنبإ ، ويكون مفاد الكلام حينئذ أن الفاسق إن جاءكم بنبإ فتبيّنوا فلا دلالة للقضية على المفهوم ؛ لان التبيّن متوقف على مجيئه بالنبإ عقلا ، فتكون القضية مسوقة لبيان الموضوع ؛ إذ مع عدم مجيئه بالنبإ كان التبين منتفيا بانتفاء موضوعه ، فلا مفهوم للقضية الشرطية في الآية المباركة.
وقال أيضا : لا فرق بين الآية الشريفة وبين قولنا أن اعطاك زيد درهما فتصدق به من حيث المفهوم ، والظاهر من هذا الكلام بحسب متفاهم العرف وجوب التصدق بالدرهم على تقدير اعطاء زيد اياه ، واما على تقدير عدم اعطاء زيد درهما فالتصدق به منتف بانتفاء موضوعه.
وذلك لأنّ الموضوع بحسب فهم العرف هو زيد ، وله حالتان : فانه قد يعطي درهما وقد
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ٧٥.