بيان ذلك : أن عمدة الملاك هو التمسك باطلاق الشرط بلحاظ تأثيره في الجزاء بقول مطلق سواء قارنه أو سبقه شيء آخر أولا. وهذا كما قيل يلازم العلية المنحصرة ؛ إذ لو كان غيره شرطا كان التأثير له لو سبقه ولهما أو للجامع بينهما لو قارنه ، وهذا ما ينفيه الاطلاق.
ولا يخفى أن هذا المعنى انما يتم لو فرض أن تأثير غير الشرط المذكور في الكلام في تحقق الجزاء ينافي تأثير الشرط المذكور فيه بقول مطلق.
أما لو فرض عدم منافاته لذلك ، بل كان تأثير غيره في الجزاء لا ينافي تأثيره فيه ولو وجد متأخرا عن غيره لم ينفع الاطلاق في اثبات العلية المنحصرة كما لا يخفى ، وما نحن فيه من هذا القبيل ؛ فانه لو فرض انه يجب التبيّن عن خبر العادل فهذا لا ينافي وجوب التبيّن عن خبر الفاسق ولو وجد بعد خبر العادل ؛ لان كلّا منهما موضوع مستقل.
وبعبارة اخرى : أن وجوب التبيّن في الآية الشريفة كناية عن عدم الحجية ، ومن الواضح أن نفي الحجية عن خبر العادل لا ينافي نفي الحجية عن خبر الفاسق سواء كانا معا أو كان أحدهما متقدما والآخر متأخرا ، وعليه فلا ينفع التمسك باطلاق الآية الشريفة في اثبات انحصار الشرط. (١)
قلت : أن الملاك في ثبوت المفهوم هو أمران : أحدهما هو افادة الشرط للاناطة ، وثانيهما هو افادة اطلاق الشرط أن العلة للجزاء منحصرة في الشرط المذكور من دون حاجة الى الضميمة وليس له البدل ، وهذا يقتضي عدم شرطية شيء آخر للجزاء ، وإلّا فهو مناف لدلالة الاطلاق على انحصار الشرط المذكور في ترتب سنخ الجزاء.
وهذا المعنى موجود في المقام ؛ فان اطلاق قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) يدلّ على أن سنخ الجزاء ـ وهو وجوب التبين ـ مترتب على خصوص مجيء الفاسق ، لا غيره وهو مجيء العادل ، ولا بضميمة الغير ؛ فانه لو كان للغير تأثير لزم أن يقال : أن جاءكم فاسق أو عادل أو جاءكم فاسق وعادل وجب التبيّن ، وحيث اقتصر على قوله أن جاءكم
__________________
(١) منتقى الاصول : ٤ : ٢٦٠ و ٢٦١.