والمفروض أن الاستدلال بالآية الكريمة ـ أن قطعية أدلة الاعتبار لا توجب كون المعتبر داخلا في العلم والقطع الحقيقى وأن اطلق عليه العلم بمعنى الحجة ؛ اذ احتمال الخلاف ليس موهونا في جميع موارد الظواهر واخبار الثقات ، خصوصا مع ما فيها من الترجيحات الرجالية والدلالية ، ألا ترى أن احتمال الخلاف في الظواهر بل في الاخبار غير المقرونة بالقرائن القطعية وجداني ، ومع كون احتمال الخلاف وجدانيا كيف يرون قيام هذه الطرق على شيء وصولا واقعيا؟!
والظاهر أن منشأ الاشتباه هو الخلط بين المعتبر وبين ادلة الاعتبار ، فتأمّل.
فالصحيح هو ما مرّ من أن التعليل لا يدل على عدم جواز الاقدام بغير العلم مطلقا ، بل فيما اذا كان في معرض حصول الندامة ، واحتماله منحصر فيما لم يكن الاقدام حجة ، فالآية بمفهومها تدل على حجية خبر العادل وبتعليلها على عدم جواز العمل بغير الحجة ، فلا منافاة بين مفهومها وتعليلها ، كما لا يخفى.
اللهمّ إلّا أن يقال ـ كما في تسديد الاصول ـ بأنّ ظاهر الآية ترتب الندم على اصابة القوم بجهالة بحسب الارتكاز والاغراض العقلائية ، لا بملاحظة انهم في مقام اطاعة إلّا وامر الشرعية ، بل مجرد اصابة القوم بجهالة امر مرغوب عنه عند العقلاء وموجب لحصول الندم على الاقدام بعمل ينتهي اليه.
هذا ، مضافا الى أن ظاهر الآية وتعليلها أن هذا الندم سواء كان ملازما للعقوبة أم لا مترتب على مجرد اصابة القوم بجهالة ، وإذا كان المفروض صدق الجهالة حتى في موارد الطرق الظنية فلا محالة يدل التعليل على ترتب المحذور والندم على العمل بها ، فهي لا يمكن أن تكون حجة سواء في ذلك خبر الفاسق وغيره ، فالتعليل يمنع عن انعقاد المفهوم. (١)
ولكن لقائل أن يقول : أن مع الادلة القطعية الدالة على اعتبار خبر العادل لا تكون اصابة القوم اصابة بجهالة ، كما لا تكون كذلك فيما اذا كانت الاصابة بعلم يخالف الواقع ؛ وذلك لقيام
__________________
(١) تسديد الاصول : ج ٢ ص ٨٢.