أورد عليه في نهاية الدراية بأنّ حكومة سائر الادلة على هذا التعليل المشترك وجيهة ، واما حكومة المفهوم المعلل منطوقه بنحو يمنع عن اقتضاء المفهوم المثبت لحجية خبر العادل حتى يرتفع به الجهالة تنزيلا فهو دور واضح ، فتدبّر جيدا. (١)
وذلك واضح ؛ لان حكومة المفهوم متفرعة على عدم شمول التعليل للمفهوم ، والمفروض أن عدم شمول التعليل متوقف على حكومة المفهوم ، وهو دور. هذا مع الغمض عما في دعوى دلالة ادلة الاعتبار على أن خبر العادل علم تشريعا.
ومما ذكر يظهر ما في مصباح الاصول أيضا حيث ذهب الى حكومة المفهوم على التعليل لرفع المنافاة بينهما ، واستوجه ذلك ، واطال الكلام ، فراجع. (٢)
وربما يجاب عن المنافاة المذكورة بأن خبر غير الفاسق الذي تدل الآية على حجيته حجة وطريق عند العقلاء ايضا ، والعقلاء يعبّرون عن جميع الطرق المعتبرة عندهم بالعلم سواء في ذلك الظواهر وخبر الثقات وغيرهما ، ويرون مفهوم العلم عاما للقطع الذي لا يحتمل الخلاف ولموارد قيام الطرق المعتبرة ، واذا اعتبروا شيئا طريقا يرون قيام هذا الطريق على شيء وصولا الى الواقع ، لا بمعنى تنزيل شيء منزلة آخر ، بل بمعنى واقع الوصول كما في القطع حرفا بحرف.
وحينئذ فالآية المباركة اذا القيت اليهم فهموا منها بمقتضى الشرطية المذيلة بالتعليل المذكور : أن النبأ اذا لم يأت به الفاسق بل غير الفاسق فهو طريق موصل الى الواقع يعمل به من دون حاجة الى التبين ، فلا يتصور فيه اصابة القوم بجهالة للوصول الى الواقع والعلم به واتّضاحه ، فليس فيه اصابة بجهالة حتى يتصور ويجيء فيه الندم ، فهو خارج عن مورد التعليل ، ويكون المفهوم بلا معارض. (٣)
وفيه ـ مضافا الى انه مبني على اعتبار الخبر من باب بناء العقلاء لا دلالة الادلة التعبدية
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ٧٨.
(٢) مصباح الاصول : ج ٢ ص ١٦٣ ـ ١٦٩.
(٣) تسديد الاصول : ج ٢ ص ٧٩ ـ ٨٠.