ومما ذكر يظهر ما في مصباح الاصول حيث قال : والظاهر أن المراد من الجهالة هي السفاهة والاتيان بما لا ينبغي صدوره من العاقل ؛ فان الجهالة كما تستعمل بمعنى عدم العلم كذلك تستعمل بمعنى السفاهة أيضا. (١)
لما عرفت من أن حمل الجهالة على السفاهة خلاف الظاهر ، ومجرد الاستعمال في بعض الموارد لا يكفي للاستظهار والحمل المذكور.
وثانيا : أن قوله (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) ، يساعد مع كون الجهالة بمعنى عدم الحجة ، فان العمل بالحجة ممّا لا تترتب عليه الندامة ، بخلاف العمل بما ليس بحجة ، فلا منافاة بين التعليل والمفهوم من الآية ، ولا حاجة الى حمل الجهالة على السفاهة ، كما لا يخفى.
وثالثا : كما في نهاية الدراية أن العمل بخبر العادل مع قطع النظر عن هذه الآية من شأن أرباب البصيرة ؛ لبناء العقلاء على العمل بخبر من يوثق به ، فالآية حينئذ مبنيّة على حجية خبر العادل وكاشفة عنها ، لا انّها مبيّنة للحجية وجاعلة لها ، كما هو المقصود. (٢)
فلو لم يكن الخبر حجة قبل نزول الآية الكريمة فالعمل بخبر العادل يكون ايضا سفاهة وجهالة ؛ لانه عمل بلا حجة ، فيشمله عموم التعليل ، فحمل الجهالة على السفاهة لا يرفع الاشكال ، كما لا يخفى.
اللهمّ إلّا أن يقال : بأن الآية الكريمة امضاء لما عليه العقلاء بما هم عقلاء من العمل بخبر العادل ، ولا تكون متكفلة لبيان حجيته بالتأسيس ، ومع الامضاء المذكور فلا يكون العمل بخبر العادل سفاهة. (٣)
وربما يجاب ايضا عن منافاة التعليل مع المفهوم بأن المفهوم حاكم على التعليل ، فانه يحكم في خبر العادل بانه محرز وكاشف عن الواقع وعلم في عالم التشريع ، فيخرج عن عموم التعليل تعبّدا ، ولا يمكن أن يعارضه اصلا لكي يوجب عدم انعقاده. (٤)
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٢ ص ١٦٣.
(٢) نهاية الدراية : ج ٢ ص ٧٨.
(٣) راجع منتقى الاصول : ج ٤ ص ٢٦٨.
(٤) فوائد الاصول : ج ٣ ص ١٧٢.