تحصيل العلم واحراز الواقع ، ومعلوم أن الجهالة بهذا المعنى مشتركة بين خبري العادل والفاسق ، وهو يوجب تعميم علة التبين ، فتتنافى مع انحصار علة التبيّن في خبر الفاسق ، وتمنع عن انعقاد ظهور المفهوم.
ولكن لا يخفى عليك أن هذا فيما اذا اريد من الجهالة خصوص عدم العلم بالواقع ومن التبين خصوص تحصيل العلم واحراز الواقع ، واما اذا قلنا أن المرتكز في الاخبارات والانباءات هو الاكتفاء بالحجة ، فالتبين هو التفحص عن حجية الخبر والجهالة في مقابلها وهو عدم التفحص والاقدام مع عدم احراز الحجة ، ومن المعلوم أن الجهالة بهذا المعنى ليست مشتركة بين خبرى العادل والفاسق فمع عدم الاشتراك لا تعميم في علة التبين ومع عدم التعميم لا منافاة بين التعليل وبين انحصار علة التبين في خبر الفاسق ، كما لا يخفى.
وربما يجاب عن مانعية التعليل مع المفهوم بحمل الجهالة على السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله عند العقلاء ، لا على ما هو مقابل العلم مستشهدا بقوله عزوجل : (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) فان الندامة لا تكون إلّا على فعل سفهي لا يكون على طريقة العقلاء فلما يعم التعليل المذكور لمثل الاعتماد على خبر العادل فلا اشتراك في التعليل حتى ينافى المفهوم من انحصار العلة في خبر الفاسق ولو كان المراد منه هو الغلط في الاعتقاد ومقابل العلم لما جاز الاعتماد على الشهادة والفتوى. وهو كما ترى.
ولم يستبعده صاحب الكفاية حيث قال : أن دعوى أن الجهالة بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة. (١)
أورد عليه أوّلا : بان حمل الجهالة على السفاهة خلاف الظاهر من لفظ الجهالة وأن استعملت احيانا في ذلك ، ولذا قال شيخنا الأعظم قدسسره : وفيه مضافا الى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة الخ. (٢)
__________________
(١) الكفاية : ج ٢ ص ٨٦.
(٢) فرائد الاصول : ص ٧٢.