انتفاء مجيء الفاسق ، وانتفاء عدم الحجية يساوي الحجية ؛ إذ ليس الليس مساوق للائس ، ولا ينافي المفهوم المذكور مع التعليل الدال على عدم جواز اصابة القوم بلا حجة ؛ لان مورد المفهوم خارج عن مورد التعليل خروجا تخصّصيا ، كما لا يخفى.
ومما ذكر يظهر النظر في ما افاده سيدنا الامام المجاهد قدسسره في مانعية التعليل بقوله رحمهالله : أن دلالة الشرطية على المفهوم واستفادة ذلك من تلك القضية مبتنية على ظهور الشرط في القضية في كونه علة منحصرة بحيث ينتفي الحكم بانتفائه ، وأما اذا صرح المتكلم بالعلة الحقيقية وكان التعليل اعم من الشرط أو كان غير الشرط فلا معنى لاستفادة العلية فضلا عن انحصارها ، فلو قال : أن جاءك زيد فأكرمه ، ثم صرح أن العلة انما هو علمه فنستكشف أن المجيء ليس علة ولا جزء منها ، وهذا واضح جدا. وهو أيضا من الاشكالات التي لا يمكن الذب عنه ، وقد غفل عنه الاعلام. وعليه فلا وقع لما افادوه في دفعه. (١)
وذلك لان مقتضى ما عرفت من عدم المنافاة بين التعليل والشرط المذكور أن التعليل في الآية مؤكد للشرط المذكور ؛ فان المعرضية للندامة من ناحية عدم الحجية منحصرة في الشرط المذكور وهو نبأ الفاسق ، فليس التعليل مفيدا لامر هو اعم من الشرط أو أمر مغاير للشرط المذكور حتى ينافي علية الشرط أو انحصارها.
وقياس الآية الكريمة بمثل قوله : أن جاءك زيد فأكرمه ، ثم التصريح بان العلة انما هو علمه في غير محله ، فان مجيء زيد غير العلم ، بخلاف المقام فان نبأ الفاسق في قوله (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) يشير الى أن العلة هو عدم افادة خبره العلم بمعنى الحجة ، وهو غير مناف لما افاده التعليل في الآية الكريمة من أن الاقدام على ما ليس بحجة يكون في معرض الندامة بل هما متساعدان ، كما لا يخفى.
ولعل منشأ توهم المنافاة بين المفهوم والتعليل هو حمل الجهالة في قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) على عدم العلم بالواقع بقرينة كون الجهالة مقابلة للتبين وهو بمعنى
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ص ١١٣.