ثمّ إنّ مع التعارض لا وثوق بالصّدور ومع ذلك دلّت المقبولة على أنّ الخبر لا يكون بالتعارض ساقطا التعبّد بالخبر.
وإلّا فمع التّعارض لا يحصل الوثوق في الصّدور في الراجح بمجرّد الأفضلية في صفات الرّاوي أو المطابقة مع الكتاب أو المخالفة مع العامّة ومع عدم الوثوق بالصّدور لا بناء من العقلاء وإن كان النّاقل عدلا أو ثقة بل يحكمون بالتّساقط.
ونحو هذه الرواية مرفوعة زرارة قال يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما نأخذ؟ قال عليهالسلام يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشّاذ النّادر قلت يا سيّدي إنّهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال خذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك فقلت إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان فقال عليهالسلام انظر ما وافق منهما مذهب العامّة فاتركه وخذ بما خالفهم قلت ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين كيف أصنع؟ فقال : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط فقلت إنّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقال عليهالسلام إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر.
فإنّها مثل المقبولة في الدّلالة على أنّ الخبر لا يكون ساقطا عند التّعارض بل يقدّم الراجح من حيث الصفات وساير المرجّحات ومع عدم الرجحان فالحكم هو التخيير وقد عرفت أنّ هذا هو حجّيّة تعبّديّة وليس من باب بناء العقلاء.
اورد عليه بأنّه لا إطلاق لهذه الطّائفة من الأخبار لأنّ السؤال عن الخبرين المتعارضين اللذين فرض السّائل كلّ واحد منهما حجّة يتعيّن العمل به لو لا التّعارض ولا نظر للسّائل بالنّسبة إلى اعتبار خبر كلّ عدل أو ثقة بل نظره إلى حجّيّة الخبر في حال التّعارض.
ويمكن الجواب عنه بأنّ هذه الأخبار ظاهرة الدّلالة على مفروغيّة حجّيّة خبر الواحد في نفسه عند عدم ابتلائه بالمعارض وإلّا لما سألوا عن صورة تعارضها لأنّ هذا السؤال مناسب مع حجّيّة الخبر في نفسه وإنّما أشكل الأمر من جهة المعارضة فسألوا عن حكمهما عند التّعارض.