علي عليهالسلام هذه المقالة قال : هذا هو الفقه ، ولم يردع مقالتهم فهؤلاء وإن قصّروا في باب الإمامة إلّا أنهم حسب اعتقادهم في الامامة من عدم وجوب إطاعة الإمام إلّا فيما يوافق الكتاب والسنة انعزلوا عنه ، فإن نظرهم إلى الامام كالنظر إلى الخلفاء والسلاطين.
فالتفصيل المذكور في حجية الظواهر هو الذي ظهر في الأعصار الأخيرة عن بعض الإمامية من التشكيك في حجية ظواهر الكتاب المجيد بعد ما لم يكن خلاف بين المسلمين من العامة والخاصة في حجيته بداهة أنّه لم ينزل للإلغاز والتعمية ، بل نزل ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وقد أخرجهم عنها ، كما يظهر بمراجعة التواريخ ، وكان الأعراب يفهمونه بمجرد قراءة النبي صلىاللهعليهوآله ، وكان يؤثر في أنفسهم أشدّ التأثير ، كما روي أنّ رئيس بني مخزوم أتى النبي صلىاللهعليهوآله فقرأ عليه سورة «حم سجدة» حتى وصل إلى قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فجعل أصابعه في أذنيه وخرج من عنده ، فلمّا سأله قومه عمّا رآه قال : لقد سمعت بكلام لم أسمع بمثله.
وقد نقل أيضا قصة مصعب بن عمير حيث أرسله النبي صلىاللهعليهوآله إلى يثرب فوجه الناس إلى الاسلام بقراءة القرآن.
فأمثال هذه القضايا تشهد بأنّهم كانوا يفهمون القرآن ، كيف وقد قال الله تعالى في شأنه (نَذِيراً لِلْبَشَرِ)(١) وقال (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)
وبالجملة فالقرآن نزل بلسان قوم النبي صلىاللهعليهوآله مبيّنا لمقاصده بنحو يخرج عن طاقة البشر. (٢)
فالحاصل : أنّ دعوى اختصاص القرآن بالنبيّ وأهل بيته عليهمالسلام صحيح بالنسبة إلى تمام علوم القرآن ظاهرها وباطنها لا بالنسبة إلى ظواهرها ، فإنّها لا تختص بهم بعد ما عرفت من أنّ القرآن كسائر الكتب لها ظواهر ، ولذا لم يرد السؤال عن النبي صلىاللهعليهوآله أو الأئمة المعصومين عليهمالسلام عن الآيات الظاهرة بنفسها ، بل السؤال عن مقيّداتها ونواسخها و
__________________
(١) المدثر : ٣٦.
(٢) نهاية الاصول : ٤٤٧ ـ ٤٨٠.