اللهمّ إلّا أن يقال : ما من سيرة إلّا تخالفها جماعة ألا ترى أنّ السّيرة على رجوع الجاهل إلى العالم ومن ذلك خالف فيه الأخباريّون فالملاك في تحقّق السّيرة هو قيام غالب النّاس بحيث يكشف عن رأي الشّارع وهو حاصل وإن خالفها جماعة فتدبّر.
وثانيا : بأنّه لو سلّم اتّفاقهم على ذلك لم يحرز أنّهم اتّفقوا بما هم مسلمون أو بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين.
ويمكن الجواب عنه بأنّه لا موجب لإرجاع سيرة المسلمين إلى سيرة العقلاء بعد ما نرى من الاختلاف بينهما في جواز العمل وعدمه في بعض الأحوال كحال كثرة الوسائط أو حال التعارض وترجيح أحدهما بالصّفات أو بالمخالفة مع العامّة أو بالموافقة مع الكتاب أو التخيير عند عدم المرجّحات فإنّ الاختلاف المزبور يشهد على أنّ سيرتهم ثابتة بما هم مسلمون لا بما هم عقلاء فتدبّر جيّدا.
وعليه فسيرة المسلمين كالأخبار في إفادة حجّيّة خبر الثقات مطلقا سواء حصل الاطمئنان النوعي أو لا.
نعم لا يبعد تقييدها بما دلّت عليه أخبارنا من تقديم الثّقة الإمامي على الثّقة العامي عند المخالفة.
ودعوى اختصاص السّيرة المذكورة بما إذا حصل الاطمئنان بحيث لا يعتني باحتمال الخلاف ممنوعة لوجدان السّيرة المتشرّعة على نقل الثّقات ولو لم يحصل الاطمئنان النّوعي إذ لا دلالة بين كون الرّاوي ثقة وأمينا وبين الوثوق بصدور ما أخبر به لاحتمال الخطأ والاشتباه وتعمّد الكذب فيما إذا أحرز الوثاقة بقيام البيّنة أو بحسن الحال.
نعم يمكن الدعوى المذكورة في سيرة العقلاء فإنّها كما أفاد سيّدنا الاستاذ استقرّت على العمل بخبر الثّقة من جهة الوثوق به حيث بنقل الثّقة أو العادل تحصيل الوثوق غالب من قوله حيث لا يحتمل عرفا تعمّده للكذب في شخص هذا الخبر ففي الحقيقة العمل يكون على طبق الوثوق والاطمئنان.