التّنبيه الثّالث :
أنّه لا يخفى عليك وقوع التعبّد بالخبر الواحد الثّقة بعد ما عرفت من الأخبار الكثيرة الدالّة على حجّيّة قول الثّقات.
ودعوى أنّ التعبّد في خبر الثّقة لا مجال له لأنّ وثاقة الشخص إمّا تحصل بالجزم بها من طريق المعاشرة أو بشهادة الإمام عليهالسلام بالوثاقة الموجبة للجزم به لعدم احتمال الخطأ فيها وفي مثلها لا يتوقّف قبول قول الثّقة على التعبّد للجزم بصدقه بلا تردّد وحيث إنّ الإرجاعات الواردة في الأخبار من هذا القبيل فلا يستفاد منها التعبّد بل تتكفّل الإرشاد إلى وثاقته فيترتّب عليها القبول عقلا للجزم بصدقه لا تعبّدا فما نحتاج إلى التعبّد.
مندفعة بأنّ النصوص لا تنحصر في النّصوص التي هي إرجاعات المعصوم عليهالسلام وقد عرفت النصوص الدالّة على تقرير العامّة على العمل بما روى الثّقات عندهم عن علي عليهالسلام.
كخبر شبيب بن أنس وداود بن فرقد وأيضا عرفت النّصوص الدالّة على اعتماد أصحابنا على نقل الثّقات ولم ينهوا عنه والنّصوص الدالّة على التوجّه النهي عن أخبار غير ثقات العامّة هو الخيانة ومقتضاها هو جواز النقل عنهم عند انتفاء الخيانة.
والأخبار الدالّة على مفروغية كون خبر الثّقة في نفسه حجّة وإنّما السؤال عن حاله عند ابتلائه بالمعارض وإلى غير ذلك من الرّوايات الدالّة على حجّيّة خبر الثقات ولو لم نعاشرهم ولم يثبت توثيقهم بسبب قول الإمام المعصوم عليهالسلام هذا مضافا إلى أنّ بعض الإرجاعات معلّل بعنوان الكلّي من الثّقة المأمون ومن المعلوم أنّ هذا العنوان الكلّي ليس ممّا أخبر عنه الإمام عليهالسلام بوثاقته حتّى لا يتوقّف قبوله على التعبّد لحصول الجزم به.
وأيضا أنّ الإرجاعات إلى الموثّقين بتوثيق الإمام لا يخصّص بمن سمع من الإمام عليهالسلام توثيقه بل الأمر كذلك لمن سمع من الواسطة ومن المعلوم أن بعد وجود الواسطة قد لا يحصل القطع والجزم بوثاقة الواسطة ومع عدم الجزم بها يمكن التعبّد.
وبالجملة لا مجال لإنكار التعبّد رأسا وجعل الأخبار إرشادا كما لا يخفى.