في بعض الروايات من أنّه لا ضرر في الاسلام أو في الدين ؛ فانه ظاهر في نفي تشريع الحكم الضرري في دين الاسلام ، وكذا قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ظاهر في نفي تشريع الحكم الحرجي. (١)
لانا نقول : أن دليل لا ضرر أو لا حرج بقرينة كونهما في مقام الامتنان وافادة سهولة الاسلام والدين لا ينفيان الحرمة ، بل المنفي فيهما هو التجويز ، ومعناه أن الضرر أو الحرج لا يجوزه الشارع لا بالنسبة الى الغير ولا بالنسبة الى النفس ، وبهذا الاعتبار يفيد نفي نفس الضرر أو الحرج نفي تشريعهما وتجويزهما ، ونفي تشريع الضرر أو الحرج من أي جهة كانت يستلزم نفي الموضوع الضرري أو الحكم الشرعي بل الاحتياط العقلي أيضا ؛ لانّ الحكم العقلي في أطراف العلم الاجمالي اقتضائي ، والحكم الاقتضائي يصلح لان يرفعه الشارع ، وعليه فلا يجوز الشارع الموافقة القطعية الموجبة للضرر أو الحرج.
ثم قوله (في الاسلام) أو (في الدين) في بعض الأخبار أو في الآية الكريمة لا يوجب تخصيص النفي بالأحكام الشرعية ؛ لانّ الدين أو الاسلام هو ظرف النفي لا المنفي ، والمقصود أنّ في دائرة الاسلام أو الدين لم يشرع الضرر أو الحرج من أي سبب كان.
هذا مضافا الى أنّ هذا القيد بالنسبة الى لا ضرر لم يرد في الروايات المعتبرة ، كما لا يخفى.
وثانيا : أنّه لو سلمنا أنّ مفاد لا ضرر أو لا حرج هو نفي الموضوع الضرري أو الحرجي كما ذهب اليه في الكفاية ، لا نفي نفس الضرر أو الحرج كما قويناه فلا وجه لدعوى أنّه لا يشمل الاحتياط العقلي ؛ لأنّه أيضا من الموضوعات ، وحيث أن الحكم العقلي في أطراف المعلوم بالاجمال حكم اقتضائي وقابل لان يرفعه الشارع وليس علة تامة كالعلم التفصيلي ، فلا مانع من أن تشمله أدلة نفي الضرر أو الحرج لنفي وجوب الموافقة القطعية الموجبة للحرج أو الضرر بلسان نفي الموضوع الضرري أو الحرجي.
وثالثا : أنّه لو سلمنا أنّ مفاد لا ضرر أو لا حرج هو نفي الحكم الشرعي الضرري أو
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٢ ص ٢٣٠.