الحرجي كما ذهب اليه الشيخ الأعظم قدسسره لا نفي نفس الضرر أو الحرج ولا نفي الموضوع الضرري أو الحرجي فلا وجه لدعوى أنه لا يشمل الاحتياط العقلي أيضا ؛ لانّ مفاد أدلة لا ضرر أو لا حرج هو نفي الحكم الموجب للضرر أو الحرج ، ولا اشكال في أن وجوب الاحتياط وهو الجمع بين المحتملات وإن كان عقليا ناش من بقاء الحكم الشرعي الواقعي على حاله ، فهو المنشأ للحرج أو الضرر ؛ إذ الشيء يسند الى اسبق العلل ، فيكون المرتفع بادلة نفي الحرج والضرر هو الحكم الشرعي الواقعي ، فيرتفع وجوب الاحتياط بارتفاع موضوعه. (١)
ويشكل ذلك بانّ شمول لا ضرر ولا حرج بالاحتياط التام لا يوجب اشكالا بناء على أنّ المنفي هو نفس الضرر أو الحرج أو الموضوع الضرري أو الحرجي ؛ لانّ المنفي حينئذ هو بعض موارد الضرر والحرج أو الموضوع الضرري والحرجي ، هذا بخلاف ما اذا كان المنفي هو نفس الحكم الشرعي الذي يكون منشأ للاحتياط العقلي ؛ فانه يوجب الاشكال والايراد ، وهو أن مقتضى أدلة نفي الحرج حينئذ هو رفع أصل التكليف الواقعي لا خصوص الاحتياط في بعض اطراف احتماله ، فاذا رفع أصل التكليف ، فلا يكون وجه لرعاية التكليف في شيء من أطراف احتماله ، فمرجع نفي العسر والحرج حينئذ الى اهمال التكاليف الواقعية وعدم وجوبها ، وهو مناف للمقدمة الثالثة.
وأجاب عنه في تسديد الأصول بأنّ الحق في الجواب أن يقال : إنّ التكليف والحكم الواقعي هنا ليس حكما واحدا يجب بحكم العقل الاوّلي الاحتياط في أطراف احتماله ، بل لا ريب أن هنا أحكاما متعددة ، ثم أن من المعلوم أنّه لو كان في البين تكاليف متعددة يوجب امتثال جميعها عسرا وحرجا ، فانّما يحكم بارتفاع عدة منها بمقدار يرتفع به العسر والحرج.
غاية الأمر أنّه لو كان بينها ما يتعين رفعه عند دوران الامر بينه وبين غيره يحكم برفع هذا بخصوصه ، وإلّا تخيّر المكلّف بين المعاملة مع كل منها شاء برفعه.
__________________
(١) راجع مصباح الاصول : ج ٢ ص ٢٢٩.