ففي ما نحن فيه لما كان لا يجوز العقل في مقام الامتثال رفع اليد عن التكاليف المظنونة والأخذ بغيرها فلا محالة يحكم برفع التكاليف الموجودة في الموارد المشكوكة والموهومة ، وتبقى الموارد المظنونة على ما هي عليها من القوة والتنجز ، فيجب الاحتياط فيها.
فإن قلت : أن الحكم بنفي التكليف عن بعض أطراف العلم مع أن موجبه موجود مقارنا مع العلم بأصل التكليف يوجب عدم تنجز التكليف من رأس ، كما قرر في مبحث العلم الاجمالي وحدوث الاضطرار مثلا الى طرف معين مقارنا لحصول العلم بالتكليف ، فمآل أدلة نفي العسر والحرج الى اهمال التكاليف وعدم التعرض لامتثالها من رأس ، وهو باطل.
قلت : أن الاتكال في نفي التكليف في موارد الشك والوهم الى أدلة نفي العسر والحرج لا يتوقف على العلم بوجود تكليف في مواردهما ، فانه يصح ويكفي أن يقال إنّه لو لم يكن بينها تكليف فلا ريب في أنّ المكلف لا يؤخذ بشيء ، ولو كان فلمكان ايجابه العسر والحرج كان منفيا ، وأما موارد الظن بالتكليف فلا يبعد دعوى العلم الاجمالي بوجود تكاليف عديدة بينها ، فيجب القيام مقام امتثالها.
فما في كلمات بعض أهل التحقيق من انهدام اساس منجزية العلم الاجمالي بعد جريان أدلة نفي العسر والحرج ممنوع. (١)
يرد عليه أيضا أنّ نفي التكليف فيما فرض وجوده في موارد الشك والوهم لكونه موجبا للعسر والحرج يستلزم عود الاشكال ؛ فانّ مع نفي التكليف في موارد الشك والوهم ينتفي العلم ، فيتنجز التكليف من رأس ؛ فانّ التكليف على فرض وجوده في موارد الشك والوهم ينتفي مع كون موارد الشك والوهم طرفا للعلم الاجمالي.
نعم لو فرض مع قطع النظر عن موارد الشك والوهم حصول العلم الاجمالي بالتكليف في موارد الظن ، فلا وجه لعدم تنجز التكليف في هذه الدائرة.
ولكنه لا يحتاج حينئذ في نفي التكليف في موارد الشك والوهم الى ادلة نفي الحرج ؛ فانّ
__________________
(١) تسديد الاصول : ج ٢ ص ١١٤ ـ ١١٥.