وقد عرفت في المقدمة الثانية أن العلم الاجمالي في الدائرة الكبيرة ينحل بالعلم الاجمالي في الدائرة الصغيرة ، وهي دائرة الاخبار ؛ إذ مع حجية الأخبار والعلم بوجود تكاليف فعلية بها بمقدار المعلوم بالاجمال لا يبقى علم بالتكليف في غيرها ، فيجوز الرجوع فيه الى الاصول العملية النافية ، فلا يدور الامر بين الامتثال الظني والامتثال الشكي أو الوهمي حتى يلزم ترجيح الظني على غيره ، بل اللازم هو الاخذ بمفاد الاخبار بعد ثبوت حجيتها ، فمع عدم الدوران بين الراجح والمرجوح فلا مجال لتطبيق كبرى قبح ترجيح المرجوح على المقام ، كما لا يخفى. هذا مضافا الى أن قبح ترجيح المرجوح على الراجح فيما اذا لم يكن المرجوح من ناحية اخرى ففي مثل المقام وأن كان الظن بالنسبة الى الاحتمال والوهم راجحا ولكن ربما يكون المحتمل اقوى واهم من الظنون بحسب الملاك بحيث يجب مراعاته فمجرد الدوران بين الظن والشك لا يوجب ترجيح الظن على الشك بل يتوقف التقديم على اثبات ان المحتمل ليس باقوى واهم من الظنون بحسب الملاك وإلّا فالمقدم هو المحتمل فلا ينتج المقدمات ترجيح الظن في مطلق موارد دوران الامر بين الظن والشك ، او الوهم. فالاولى هو اضافة مقدمة اخرى على المقدمات وهي أن المحتمل والمشكوك ليس بحسب الملاك اقوى واهم من الظن فلا تغفل.
وبالجملة فمع ثبوت حجية الأخبار الآحاد وانحلال العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية فيها لوفائها بها لا مجال لدليل الانسداد في المقام ، كما لا يخفى.
نعم ربما تتم مقدمات دليل الانسداد في غير المقام من موارد الامتثال. كما اذا ترددت القبلة بين الجهات الاربعة وظن بها في بعضها المعين ولم تقم بينة على طرف منها ولم يجر اصل محرز في طرف منهما ولم يمكن الاحتياط لضيق الوقت ، فمع تنجز التكليف وعدم الانحلال وعدم امكان الاحتياط يتعين الاخذ بالظن ؛ لقبح ترجيح المرجوح على الراجح في مقام الامتثال.
وهكذا يمكن التمسك بدليل الانسداد في الظنون الرجالية أو اللغوية وغيرهما إذا تمت المقدمات فيها ، فتدبّر جيدا.