أو أشباهه يدل على أنّ الغاية لاستحقاق العذاب هو التبليغ الواصل وأنّ ذكر بعث الرسول مع انتخاب هذه الكلمة كناية عن إيصال الأحكام وإتمام الحجة وانّ التبليغ غير الواصل في حكم العدم وانّه لا يصح العذاب كما انّ وجود الرسول بين الامّة بلا تبليغ كذلك.
وعلى هذا فلو بحث المكلّف عن تكليفه ووظيفته بحثا أكيدا فلم يصل إلى ما هو حجة عليه من علم تفصيلي أو إجمالي وغيرهما من الحجج ، فلا شك أنّه يكون مشمولا لقوله عزوجل : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) إلى أن قال : وإن شئت قلت : إنّ قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) تنزيه للحق تعالى شأنه وهو يريد بهذا البيان أنّ التعذيب قبل البيان مناف لمقامه الربوبي ، وأنّ شأنه تعالى أجلّ من أن يرتكب هذا الأمر ، فلذلك عبّر بقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) دون أن يقول وما عذّبنا أو ما أنزلنا العذاب ، وذلك للإشارة إلى أنّ هذا الأمر مناف لمقامه الأرفع وشأنه الأجلّ.
وبعبارة أوضح أنّ الآية مسوقة إمّا لإفادة أنّ التعذيب قبل البيان مناف لعدله وقسطه ، أو مناف لرحمته وعطوفته ولطفه على العباد.
فلو أفاد الأول لدلّ على نفي الاستحقاق ، وأنّ تعذيب العبد حين ذاك أمر قبيح مستنكر يستحيل صدوره منه ، ولو أفاد الثاني لدل على نفي الفعلية وأنّ العذاب مرتفع ، وإن لم يدل على نفي الاستحقاق. (١) وسيأتي قوة الأول ودعوى أنّ الآية راجعة إلى نفي التعذيب عن الأمم السالفة قبل بعث الرسل فيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة (٢) فلا ارتباط للآية الكريمة بالمقام فإنّ البحث في المقام عن العقوبة الاخروية دون العذاب الدنيوي.
مندفعة بما أفاده الشهيد الصدر قدسسره من إمكان منع نظر الآية إلى العقوبات الدنيوية ، بل سياقها سياق استعراض عدة قوانين للجزاء الاخروي ، إذ وردت في سياق (لا تَزِرُ وازِرَةٌ
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ص ١٣٩ ـ ١٤٠.
(٢) راجع فرائد الاصول : ص ١٩٣.