وِزْرَ أُخْرى) فإنّ هذا شأن عقوبات الله في الآخرة لا في الدنيا ، ولا منشأ لدعوى النظر المذكور إلّا ورود التعبير بصيغة الماضي في قوله : (وَما كُنَّا) وهذا بنكتة إفادة الشأنيّة والمناسبة ولا يتعيّن أن يكون بلحاظ النظر إلى الزمان الماضي خاصة. (١)
هذا مضافا إلى ما أفاده سيدنا الإمام المجاهد قدسسره من أنّه لو فرض أنّ موردها ما ذكر ، غير أنّ التعبير بقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) حاك عن كونه سنّة جارية لله عزّ شأنه من دون فرق بين السلف والخلف ، ولو لم نقل : إنّ ذلك مفاد الآية حسب المنطوق فلا أقلّ يفهم العرف من الآية ولو بإلغاء الخصوصية ومناسبة الحكم والموضوع أن التعذيب قبل البيان لم يقع ولن يقع أبدا. (٢)
وأضف إلى ذلك أنّ العذاب الدنيوي وقع في مقابل الذنوب ، كما يدل عليه قوله تعالى بعد آية العذاب : (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) ومن المعلوم أنّ العذاب الدنيوي أخفّ بالنسبة إلى العذاب الاخروي ، فإذا كان الأخفّ منوطا بالبيان فكيف لا يكون الأشدّ كذلك؟
لا يقال : كما في الكفاية بأنّ نفي التعذيب قبل إتمام الحجة ببعث الرسول لعلّه كان منّة منه تعالى على عباده مع استحقاقهم لذلك. (٣)
ومعنى ذلك أنّ نفي التعذيب من باب المنّة والعفو لا ينافي تنجز التكليف في المشكوك ، نعم لو دلّ قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) على نفي الاستحقاق لأمكن الاستدلال به فيما نحن فيه ، إذ النزاع بين الأخباري والاصولي إنّما هو في استحقاق العقاب على ارتكاب المشكوك وعدمه.
لأنّا نقول أوّلا : إنّ ظاهر هذا التركيب كما أفاد السيّد المحقق الخوئي والشهيد الصدر قدسسره أنّ ذلك هو الطريقة العامة للشارع التي لا يناسبه (ولا يليق به) غيرها كما يظهر من مراجعة
__________________
(١) دروس علم الاصول الحلقة الثالثة : ص ٣٨ و ٣٩.
(٢) تهذيب الاصول ٢ ، ص ١٤١.
(٣) الكفاية ٢ ، ص ١٦٧.