أمثال هذا التركيب عرفا ، وهذا يفيد عدم الاستحقاق ويظهر ذلك من استقراء موارد استعمال هذه الجملة ، أي ما كان أو ما كنّا كقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) وقوله عزوجل : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) إذ جملة الفعل الماضي من هذه المادة منسلخة عن الزمان في هذه الموارد ، فيكون المراد أنّ التعذيب قبل البيان لا يليق به تعالى ومع عدم لياقة التعذيب قبل البيان تدل الآية على عدم كون العبد مستحقّا للعقاب إذ مع فرض استحقاق العبد لا وجه لعدم كونه لائقا به تعالى. (١)
وثانيا : كما أفاده سيدنا الإمام المجاهد قدسسره أنّ ذلك أوّل الكلام ، إذ النزاع بين الاصولي والأخباري أنّما هو في ثبوت المؤمّن وعدمه في ارتكاب الشبهات وأنّه هل يلزم الاحتياط أولا؟ وهذا هو مصبّ النزاع بين الطائفتين ، وأمّا البحث عن الاستحقاق وعدمه فهو خارج عمّا يهمّ على كلا الفريقين. (٢)
وأمّا ما أجاب به شيخنا الأعظم قدسسره عن الإيراد على الاستدلال بالآية من ناحية أنّ المنفي في الآية هو فعلية العقاب لا استحقاقه من أنّ الخصم وهو الأخباري يعترف بالملازمة بين نفي الفعلية ونفي الاستحقاق ، فنفي الفعلية المستفادة من الآية كاف في إلزامه على نفي الاستحقاق ، فقد أورد عليه في الكفاية بأنّ الاستدلال يكون حينئذ جدليا هذا مع وضوح منع اعتراف الخصم بذلك ، ضرورة أنّ ما شك في وجوبه أو حرمته ليس عند الخصم بأعظم من معلوم الحكم ، ومن الواضح أنّه ربّما تنتفي فعلية العذاب في مورد العصيان اليقيني لإمكان تعقّبه بالتوبة أو الشفاعة أو التكفير مع ثبوت استحقاق العقوبة فلا ملازمة بين نفي العقوبة ونفي الاستحقاق في معلوم الحرمة ، فكيف يمكن اعترافه بالملازمة بين نفي الفعلية ونفي استحقاق العقوبة في مشكوك الحرمة أو الوجوب فتدبر جيدا.
__________________
(١) راجع مصباح الاصول ٢ : ص ٢٥٦ دروس علم الاصول الحلقة الثالثة : ٣٨.
(٢) تهذيب الاصول ٢ : ص ١٤١.