اللهمّ إلّا أن يقال : بأنّ الاستدلال بالآية الكريمة من جهة تقدّمها على أخبار التثليث ليس استدلالا جدليا ، إذ مع دلالة الآية الكريمة على نفي فعلية العقاب لا تشمله أخبار التثليث الدالة على الوقوع في العقاب ، كما أفاد بعض الأعلام.
بقي شيء وهو أنّ الآية ناظرة إلى نفي العذاب قبل بعث الرسول ولا ينفى العذاب بعد مجيء الرسول وتبيّن الأحكام وعروض اختفاء التكاليف بما لا يرجع إلى الشارع ، وأجاب عنه سيدنا الإمام المجاهد قدسسره بأنّ الميزان في العقوبة واستحقاقها (كما عرفت) هو الإبلاغ والإيصال لا الإبلاغ ولو مع عدم الوصول. (١)
حاصله أنّ ملاحظة المعنى في العقوبة يوجب عدم اختصاص الآية بما ذكر من نفي العذاب قبل بعث الرسول ، بل يعمّ المقام أيضا.
ولقد أفاد وأجاد سيدنا الإمام المجاهد قدسسره حيث قال ومما ذكرنا يظهر أنّ الآية أسدّ الأدلّة التي استدل بها للبراءة وأنّ ما أورد عليه من الإيرادات غير خال عن الضعف ، نعم لا يستفاد من الآية أكثر مما يستفاد من حكم العقل الحاكم على قبح العقاب بلا بيان ، فلو دلّ الدليل على لزوم الاحتياط أو التوقف لصار ذلك نفسه بيانا فيكون ذاك الدليل واردا على العقل ، وما تضمّنته الآية. (٢)
ومنها : قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)(٣)
بدعوى أنّ اسم الموصول في قوله : (ما آتيها) يشمل ذات التكليف بالإطلاق كما يشمل المال ، فتدل الآية على أنّه تعالى لا يؤاخذ ولا يطلب عن العباد شيئا إلّا إذا آتاه والإيتاء بالتكليف بإيصاله إلى المكلف ، كما أنّ الإيتاء في المال بإعطائه وإقداره ، وعليه فتدل الآية على نفي المؤاخذة بالنسبة إلى التكاليف إذا لم تكن واصلة ، وهو المطلوب ، وليس المراد من
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ص ١٤٦.
(٢) تهذيب الاصول ج ٢ ، ص ١٤١ ـ ١٤٢.
(٣) الطلاق / ٧.