منها قوله تعالى (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١)
وتقريب الاستدلال بالآية الكريمة أنّ قوله تعالى (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) نزيه للحق المتعال وهو يريد بهذا البيان أنّ التعذيب قبل البيان مناف لمقامه الربوبي وأنّ شأنه تعالى أجلّ من أن يرتكب هذا الأمر لأن التعذيب في هذه الصورة قبيح مستنكر يستحيل صدوره منه.
وظاهر هذا التركيب أي وما كنّا معذّبين أنّ ذلك هو الطريقة العامّة للشارع التى لا يناسبه ولا يليق به غيرها كما يظهر من مراجعة أمثال هذا التركيب عرفا وهو يفيد عدم الاستحقاق ويظهر ذلك من استقراء موارد استعمال هذه الجملة أي «ما كان» أو «ما كنّا» كقوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢) وقوله عزوجل (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) وقوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). (٣)
إذ جملة الفعل الماضي من هذه المادة منسلخة عن الزمان في هذه الموارد فيكون المراد أنّ التعذيب قبل البيان لا يليق به ومع عدم لياقة التعذيب قبل البيان تدلّ الآية في المقام على عدم كون العبد مستحقا للعقاب إذ مع فرض استحقاق العبد لا وجه لعدم كونه لائقا به تعالى.
وهنا إشكالات حول الاستدلال بالآية ولكنّها مندفعة نعم لا يستفاد من الآية أكثر ممّا
__________________
(١) الاسراء / ١٥.
(٢) توبه / ١١٥.
(٣) انفال / ٣٣.