فإنّ ما لا يعلم من التكليف مطلقا كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية بنفسه قابل للرفع والوضع شرعا وإن كان في غيره لا بد من تقدير الآثار أو المجاز في إسناد الرفع إليه فإنّه ليس ما اضطروا وما استكرهوا إلى آخر التسعة بمرفوع حقيقة. (١)
وذلك لما عرفت من أنّ الظاهر من رفع ما اضطروا أو ما استكرهوا وغيرهما بقيد عن الامة هو رفع الإلزام عنهم في هذه الموارد. هذا مقتضي اضافة الرفع إلى ذمّة الأمّة ففي هذه الموارد أيضا رفع الإلزام والتنجيز وعليه فلا حاجة إلى تقدير الآثار كما لا حاجة إلى المجاز في الإسناد بعد دلالة المقام على أنّ المرفوع في جميع الموارد المذكورة هو نفس الإلزامات والأحكام فتدبر جيدا.
إذا عرفت هذه الأمور فقد اتضح دلالة الحديث الشريف على أنّ الإلزامات المجهولة الموجودة في الواقع مرفوعة عن الامّة المرحومة في مرحلة الظاهر والموارد المذكورة وإن كانت موجودة في الواقع ومعنى رفعها هو رفع ثقلها عنهم في مرحلة الظاهر ولا منافاة بين الإلزام الواقعي والترخيص الظاهري لما تقدم من إمكان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ولازم رفع الحكم الواقعي في مرحلة الظاهر هو عدم وجوب الاحتياط فمع عدم وجوب الاحتياط لا مجال للعقاب والمؤاخذة وعليه فحديث الرفع ينافي وجوب الاحتياط.
ثم إنّ ما لا يعلمون لا يختص بالشبهات الموضوعية بل يعم الشبهات الحكمية لإطلاق الموصول كما لا يخفى. وقد أورد عليه شيخنا الأعظم قدسسره بأنّ الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون بقرينة أخواتها هو الموضوع أعني فعل المكلف الغير المعلوم كالفعل الذي لا يعلم أنّه شرب الخمر أو شرب الخلّ وغير ذلك من الشبهات الموضوعية فلا يشمل الحكم الغير المعلوم. (٢)
ويمكن الجواب عنه كما أفاد في الدّرر بأنّ عدم تحقق الاضطرار في الأحكام وكذا الإكراه لا يوجب التخصيص في قوله عليهالسلام «ما لا يعلمون» ولا يقتضي السياق ذلك فإنّ عموم
__________________
(١) الكفاية ٢ : ١٧٤.
(٢) فرائد الاصول : ١٩٥.