يكون منشأها وجود القسمين الحلال والحرام فإنه لو كان النص على حلية كل لحم موجودا لم يكن شك في حلية لحم الحمار ولو كان النص على حرمة كل لحم موجودا لم يكن شك في حرمة لحم (الحمار).
ولكن لما لم يكن شيء من هذا النصين وانما صار بعض اللحوم حراما وبعضها حلالا فهذا أوجب الشك في حكم لحم الحمار.
فهذا نظير ما يقال في العرف لو كان كل أفراد الإنسان أمينا لما شككت في أمانة هذا الشخص ولو كان كل أفراده خائنا ما شككت في خيانة هذا الشخص ولكن لما كان أفراده مختلفة فبعضها أمين وبعضها خائن فلا جرم شككت في أمانة هذا الشخص وخيانته وهذا مطلب صحيح عرفي. (١)
هذا كله بالنسبة إلى الأمر الأول وهو لزوم كون الانقسام سببا ومنشأ للشك وهو متحقق في الشبهة الموضوعية دون الحكمية وأمّا الأمر الثاني وهو متحقق في الشبهة الموضوعية دون الحكمية فقد أجاب عنه في الدرر أيضا بأنّ معرفة الحرام غاية للحكم على المطلق أو على ذلك الشيء الذي عرف حرمته. ولو لا ذلك للزم الإشكال على تقدير الاختصاص بالشبهة الموضوعية أيضا إذ بعد معرفة فرد من أفراد الغير المذكى يصدق انّه عرف الحرام فيلزم ارتفاع الحكم عن الشبهات أيضا فتدبر جيدا. (٢)
قال شيخنا الاستاذ الأراكي قدسسره : في توضيح ذلك وبالجملة إن كان المراد بعرفان الحرمة الذي جعل في الحديث غاية للحل حقيقة عرفان جنس الحرام حتى يكون صادقا على فرد واحد كان الإشكال مشترك الورود على كلتا الشبهتين وإن كان المراد ان عرفان الحرمة في كل شيء ليس إلّا غاية للحل بالنسبة إلى هذا الشىء دون غيره كان الإشكال غير وارد في كلتا الشبهتين ولكن حيث إنّ الظاهر هو إرادة عرفان جنس الحرام الصادق
__________________
(١) أصول الفقه لشيخنا الاستاذ ٢ : ٧٧.
(٢) الدرر : ٤٥٠.