على فرد واحد كان الإشكال واردا على كلتيهما فلا بدّ في دفعه عن كلتيهما فنقول إنّ عرفان الحرام غاية للقضية الاستغراقية بوصف كونها استغراقية فمعنى الحديث أنّ الجنس الذي هو اللحم المنقسم في الذهن إلى القسم المذكى والقسم الميتة يكون بجميع أفراده حلالا فكل فرد منه سواء كان ميتة واقعا أم مذكى واقعا فهو حلال وكذلك جنس اللحم الذي له قسمان احدهما لحم الغنم والآخر لحم الخنزير وله قسم ثالث وهو لحم الحمار فهو بجميع أقسامه يكون حلالا سواء كان من القسم الحلال واقعا أم من القسم الحرام حتى يعرف الحرمة في فرد واحد على الأول أو في قسم واحد على الثاني فحينئذ يكون هذا الحكم العام الاستغراقي الاستيعابي وهو حلية كل فرد أو كل قسم مرتفعا وهذا لا إشكال فيه إذ لا إشكال في أنه بعد معرفة الحرمة في الفرد الواحد أو القسم الواحد لم يبق هذا الحكم العام بعمومه.
واذن فبناء على حمل الرواية على التقسيم الذهني فدلالتها على البراءة في الشبهة الحكمية تامة غاية الأمر يكون موردها خصوص الشبهة الحكمية التي كان له قسم حلال وقسم حرام ولم يكن القسم الحرام بعد معروفا فيتم في غير هذا وهو ما لم يكن له قسم حلال وقسم حرام وما كان له ذلك بعد عرفان الحرام بعدم القول بالفصل.
ولكن الشأن في إثبات ظهور الرواية في التقسيم الذهني دون الخارجي وهو غير معلوم بل الظاهر منها لا يبعد أن يكون هو التقسيم الخارجي بقرينة ذكر لفظة «بعينه» (١)
ولا يخفى عليك أيضا أن الظاهر من الحديث كما أشار إليه الاستاذ قدسسره بقرينة لام العهد في قوله حتى تعرف الحرام ولفظة بعينه إن المراد من الغاية في قوله حتى تعرف الحرام منه بعينه هي معرفة ذلك الحرام الذي فرض وجوده بالفعل في الشيء وذلك لا يساعد إلّا مع إرادة الشبهة الموضوعية إذ مع الشبهة الحكمية لا معنى لجعل معرفة حرمة لحم الخنزير غاية لحلية لحم الحمير لعدم الارتباط بينهما فلا وجه لأن يقال. إنّ لحم الحمير مثلا الذي شك في حليته وحرمته عند ما رأينا وجود القسمين في اللحم حلال حتى تعرف حرمة لحم الخنزير وعلم
__________________
(١) أصول الفقه شيخنا الاستاذ ٢ : ٧٦ ـ ٧٧.