الاستدلال بالسيرة
ربما يستدل للبراءة بسيرة المسلمين والمتشرعة من أول الشريعة بل في كل شريعة على عدم الالتزام والإلزام بترك ما يحتمل ورود النهي عنه من الشارع بعد الفحص وعدم الوجدان.
وذلك لأنّ طريقة الشارع على بيان المحرمات دون المباحات وليس ذلك إلّا لعدم احتياج الرخصة في الفعل إلى البيان وكفاية عدم وجدان النهي فيها.
قال المحقق على ما حكي عنه أنّ أهل الشرائع كافة لا يخطئون من بادر إلى تناول شيء من المشتبهات سواء علم الإذن فيها من الشرع أم لم يعلم ولا يوجبون عليه عند تناول شيء من الماكول والمشروب ان يعلم التنصيص على إباحته ويعذرونه في كثير من المحرمات إذا تناولها من غير علم ولو كانت محظورة لأسرعوا إلى تخطئته حتى يعلم الإذن.
أورد عليه شيخنا الأعظم قدسسره بأنّ الغرض من عدم التخطئة إن كان بيان قبح مؤاخذة الجاهل بالتحريم فهو حسن مع عدم بلوغ وجوب الاحتياط عليه من الشارع لكنه راجع إلى الدليل العقلي الآتي ولا ينبغي الاستشهاد له بخصوص أهل الشرائع بل بناء كافة العقلاء وإن لم يكونوا من أهل الشرائع على قبح ذلك.
وإن كان الغرض منه أنّ بناء العقلاء على تجويز الارتكاب مع قطع النظر عن ملاحظة قبح مؤاخذة الجاهل حتى لو فرض عدم قبحه لفرض العقاب من اللوازم القهرية لفعل الحرام مثلا أو فرض المولى في التكاليف العرفية ممن يؤاخذ على الحرام ولو صدر جهلا لم يزل بنائهم على ذلك فهو مبني على عدم وجوب دفع الضرر المحتمل وسيجىء الكلام فيه إن شاء الله تعالى. (١)
وفيه أوّلا : أنّ الغرض ليس بيان قبح مؤاخذة الجاهل بالحكم حتى يرجع إلى الدليل العقلي ولا يختص بأهل الشرائع وذلك لعدم تقييد المستدل عمل المتشرعة بما إذا التفتوا إلى القاعدة العقلية ومجرد توافق سيرتهم مع القاعدة لا يلازم التفاتهم إليها ولا يوجب اتحاد
__________________
(١) فرائد الاصول : ٢٠٣.