أولية لأن الظلم عبارة عن سلب ذي حق حقه فلا بد من تشخيص الحق الذي هو من مدركات العقل العملي نفسه في المرتبة السابقة عليه. (١)
حاصل الإشكال إنّ ما ذهب إليه المشهور من أنّ مخالفة التكليف الذي تمت عليه الحجة ظلم دون مخالفة تكليف لم تتم عليه الحجة فإنها ليست بظلم منظور فيه لأن مرادهم من الحجة إن كان ما يصحح العقوبة صارت القضية هي القضية بشرط المحمول وإن كان مرادهم منها هو العلم أو العلمي (والمقصود إنّ كل تكليف يدل عليه العلم أو العلمي يكون مخالفته ظلما بخلاف كل تكليف لم يكن كذلك) فالقضية أول الكلام والدليل عين المدعى وهي مصادرة وإن ادعى أنّ القضية من البديهيات الأولية فهي ممنوعة بعد كون الظلم والعدل من مدركات العقل العملي وهما مقدمان على تعلّق الحكم تقدم الموضوع على الحكم.
ويمكن الجواب عنه بأن الدعوى هي أنّ قضية حسن العدل وقبح الظلم من الوجدانيات البديهية ولا تحتاج إلى الاستدلال حتى يقال إنّ القضية المستدل بها هي القضية بشرط المحمول أو يكون الدليل عين المدعى ولا منافاة بين كون القضية بديهية وبين تقدم تشخيص الحق والظلم والعدل على تعلّق التقبيح والتحسين بهما لأن تشخيص الحق والظلم والعدل أيضا من البديهيات وترتب الحكم البديهي على الموضوع البديهي لا ينافي بديهية القضية كما لا يخفى.
ثم المراد من الحجة في القضية المذكورة هو ما يمكن الاحتجاج به وهو البيان لا عنوان ما يصحح العقوبة حتى يوجب أن تكون القضية بشرط المحمول.
وحاصل القضية ان مخالفة التكليف الذي كان معلوما بالعلم أو العلمي ظلم وخروج عن زيّ العبودية لقيام الحجة عليه بخلاف ما إذا لم يكن كذلك لعدم قيام الحجة عليه فليست بظلم بل العقوبة عليها عقوبة بلا حجة وظلم والاحتمال عند العقلاء حيث ليس بحجة فهو بحكم عدم البيان ولا ينبغي أن يكتفي المولى بما لا يراه العقلاء حجة والقاضي في
__________________
(١) مباحث الحجج ٢ : ٢٧.