وإن لم يحتمل العقاب مع قطع النظر عن وجوب دفع الضرر المحتمل مع احتمال التكليف فإنّ احتمال التكليف لا يستلزم احتمال العقاب كما في الشبهة الحكمية بعد الفحص فيما إذا لم يكن هناك منجز خارجي من علم إجمالي أو إيجاب احتياط أو غيرهما كان موردا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ولا مجال فيه لجريان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل وبعبارة أخرى مورد وجوب دفع الضرر المحتمل فرض وصول التكليف تفصيلا أو إجمالا بنفسه أو بطريقه كما في أطراف العلم الإجمالي والشبهة قبل الفحص وموارد وجوب الاحتياط الشرعي ومورد قاعدة قبح العقاب بلا بيان هي الشبهة بعد الفحص واليأس عن الحجة على التكليف فلا توارد بين القاعدتين في مورد واحد. (١)
ولا يخفى عليك أنّ عدم استلزام احتمال العقوبة مع احتمال التكليف محتاج إلى الإثبات فمع عدم إثبات ذلك احتمال العقوبة باحتمال التكليف موجود ومع وجود الاحتمال المذكور تجري قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل كما تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان وعليه فتتوارد قاعدتان على مورد واحد وهو احتمال العقوبة فتدبر.
ومنها : ما أجابه المحقق الأصفهاني قدسسره من أنّ قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل إمّا موضوعها غير محرز وإمّا تكون محكومة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان حيث قال إنّ موضوع قاعدة دفع الضرر المحتمل إن كان احتمال العقوبة لا على تقدير (أي لا على تقدير المراجعة إلى القاعدتين) فاحتمال العقوبة قبل المراجعة إلى القاعدتين في نفسه غير ملازم لاحتمال التكليف لما مرّ من أنّ الملازمة بين الاحتمالين فرع الملازمة بين المحتملين والملازمة بين العقوبة ومخالفة التكليف غير ثابتة قبل المراجعة حتى تورث التلازم بين احتمال العقوبة واحتمال التكليف فلا احتمال للعقاب بل للتكليف فقط.
وبعد المراجعة إلى القواعد العقلية فقاعدة قبح العقاب تنفي الملازمة بين التكليف واستحقاق العقوبة على مخالفته بما هو بل تفيد أنّ الملازمة إنّما تكون بين التكليف الذي قامت
__________________
(١) مصباح الأصول ٢ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧.