البيان مأمون (بقاعدة قبح العقاب بلا بيان) وإن أريد غيره مما لا يدخل في عنوان المؤاخذة من اللوازم المترتبة مع الجهل أيضا فوجوب دفعها غير لازم عقلا إذ العقل لا يحكم بوجوب الاحتراز عن الضرر الدنيوي المقطوع إذا كان لبعض الدواعي النفسانية وقد جوّز الشارع بل أمر به في بعض الموارد (كالجهاد) وعلى تقدير الاستقلال فليس مما يترتب عليه العقاب لكونه من باب الشبهة الموضوعية لأن المحرم هو مفهوم الإضرار وصدقه في هذا المقام مشكوك كصدق المسكر المعلوم التحريم على هذا المائع الخاص والشبهة الموضوعية لا يجب الاجتناب عنها باتفاق الاخباريين أيضا. (١)
اللهمّ إلّا أن يدعى استقلال العقل بوجوب الاحتراز عن محتمل الضرر فالمحتمل هو موضوع حكم العقل لا الشبهة الموضوعية للمحرّم.
ورابعا : كما في الكفاية بأن مسألة استقلال العقل بالحظر في الأفعال غير الضرورية تختلف عن مسألتنا ولا يستلزم القول بالوقف في تلك المسألة للقول بالاحتياط في هذه المسألة لاحتمال ان يقال معه بالبراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان وما قيل من أن الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما تعلم فيه المفسدة ممنوع ولو قيل بوجوب دفع الضرر المحتمل فإن المفسدة المحتملة في المشتبه ليست بضرر غالبا ضرورة أن المصالح والمفاسد التي هي مناطات الأحكام ليست براجعة إلى المنافع والمضار بل ربما يكون المصلحة فيما فيه الضرر والمفسدة فيما فيه المنفعة واحتمال أن يكون في الشبهة ضرر ضعيف غالبا لا يعتنى به قطعا مع أن الضرر ليس دائما مما يجب التحرز عنه عقلا بل قد يجب ارتكابه أحيانا فيما كان المترتب عليه أهم في نظره مما في الاحتراز عن ضرره مع القطع فضلا عن احتماله. (٢)
ولذا قال في مصباح الاصول لا ارتباط بين المقام وتلك المسألة فإن استقلال العقل بالحظر على تقدير التسليم إنما هو بمناط غير موجود في المقام باعتبار أن موضوع أصالة الحظر إنما هو الفعل بما هو مقطوع بعدم جعل الحكم له وفي المقام بما هو مشكوك الحكم
__________________
(١) فرائد الاصول : ٢١٤.
(٢) الكفاية ٢ : ١٨٩ ـ ١٩٠.