وثالثا : إنّا سلمنا أنّ حق الطاعة في الأوامر والنواهي ولو كانت احتمالية يكون مما تقتضيها المولوية المطلقة ولكن ذلك ما دام لم يستلزم محذور العسر والحرج والاختلال وأما مع استلزام المحذور المذكور فتمنع عنه حكمة الرب المتعال والمفروض لزوم المحذور المذكور في حق الطاعة حتى في المحتملات فلا يصح الحكم بإطلاق الوجوب مع لزوم المحذور المذكور كما لا يخفى.
ورابعا : أن طاعة الله سبحانه وتعالى لها درجات متعددة ومراتب مختلفة وليس كل مرتبة واجبة ومن المراتب أن لا يطيع العبد إلّا إياه حتى في المباحات ولا يتحرك ولا يسكن إلّا فيما يرضى الله سبحانه وتعالى ومن المعلوم أن هذه المرتبة لا تكون واجبة بالضرورة وعليه فيمكن أن يكون الإطاعة في المحتملات من المراتب الراجحة نعم يجب طاعته فيما يكون ترك الطاعة منافيا مع زي الرقية والعبدية.
وخامسا : بما أفاده بعض الأعزة من أنه كما احتملنا التكليف الوجوبي أو التحريمي في الشبهات البدوية كذلك نحتمل الإباحة الاقتضائية الواقعية وحق الطاعة كما يكون مطرحا في التكاليف الوجوبية أو التحريمية كذلك يكون مطرحا في ناحية الإباحة الواقعية الاقتضائية أيضا.
ولو اقتضى المنعمية أو الخالقية أو مالكية المولى أن نطيعه في تلك التكاليف الإلزامية فكذلك اقتضت أن نعمل بمقتضى الإباحة الاقتضائية أيضا فإنها مجعولة كمجعولية الوجوب والحرمة كما يشهد له عدّ الإباحة من الأحكام الخمسة ولا يجتمع لزوم رعاية التكاليف الإلزامية الواقعية بالاحتياط مع لزوم رعاية الإباحة الاقتضائية الواقعية بالترخيص ومع منافاتهما نكشف عن عدم صحة نظرية حق الطاعة. (١)
يشكل ذلك بأن الإباحة هي إطلاق العنان في طرف التشريع وهو لا يطلب من العبد شيئا حتى يكون فعله إطاعة وتركه عصيانا وعليه فلا يتصور التزاحم والمنافاة بين حق
__________________
(١) راجع پژوهش هاى اصولي شماره ١ : ١٥ ـ ١٦.