البراءة بما قيل من كون تلك الأفعال على الإباحة.
هذا مضافا إلى أنّ ما قيل من أنّ الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما تعلم فيه المفسدة ممنوع ولو قيل بوجوب دفع الضرر المحتمل فان المفسدة المحتملة في المشتبه ليست بضرر غالبا ضرورة أنّ المصالح والمفاسد التي هي مناطات الأحكام ليست براجعة إلى المنافع والمضار بل ربما يكون المصلحة فيما فيه الضرر والمفسدة فيما فيه المنفعة واحتمال أن يكون في الشبهة ضرر ضعيف غالبا لا يعتني به قطعا مع أنّ الضرر ليس دائما ممّا يجب التحرز عنه عقلا بل قد يجب ارتكابه أحيانا فيما كان الترتب عليه أهم في نظره ممّا في الاحتراز عن ضرره مع القطع فضلا عن احتماله.
وفيه أوّلا : إنّا لا نسلّم إيجاب المولوية الذاتية لله تعالى لطاعته المطلقة في التكاليف الظنية والاحتمالية زائدا على الرجحان والاستحباب كما لا توجب المولوية المذكورة وجوب تداوم ذكر تعالى وعدم الغفلة عنه مع أنّ المناسبة بينهما وبين مولويته المذكورة موجودة لأنّ مولويّته تعالى دائميّة ومقتضاها هو تداوم ذكره وعدم الغفلة عنه مطلقا.
وثانيا : إنّ ذلك على تقدير التسليم صحيح ما دام لم يجعل نفسه كأحد الموالي في مقام الامتثال وإلّا فيجري فيه تعالى ما يجري في حق الموالي العرفية.
وقد دلّ مثل قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) على أنّ طريقته تعالى في الاحتجاج ليس إلّا طريقة العقلاء من الاكتفاء بما وصل من الأوامر والنواهي في مقام الامتثال والاحتجاج.
وثالثا : إنّ ذلك على تقدير التسليم ما دام لم يستلزم محذور العسر والحرج والاختلال في النظام ومع الاستلزام كما هو الظاهر تمنع عن وجوب ذلك الحق حكمة الرب المتعال.
ورابعا : إنّ لطاعة الله سبحانه وتعالى درجات متعددة ومراتب مختلفة وليس كل مرتبة واجبة كما يشهد لذلك إنّ من المراتب أن لا يطيع العبد إلّا إيّاه تعالى حتى في المباحات مع أنّ المعلوم أنّ هذه المرتبة ليست بواجبة بالضرورة.