ومثل ما ورد في قوله (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أنّه كان في الأصل (ترابيا) ونحو ذلك مما يعلم بكذبها إلى أن قال وبالجملة فوقوع التحريف مما لا يمكن أن يلتزم به. (١)
وثالثا : بأنّ الآيات والروايات الدالة على مصونيّة عن التحريف والتغيير والتبديل وعروض الباطل تعارض الأخبار الدالة على التحريف منها قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(٢) بتقريب أنّ الآية الكريمة تدلّ مع التأكيدات المتعدّدة على أنّ الأيادى الجائرة لن تتمكن من تحريف الذكر وهو القرآن ومعنى الآية انّا بقدرتنا الكاملة نحفظه عن الضياع والتحريف والتغيير والتبديل وعروض الباطل. والقول بأنّ المراد من الذكر هو الرسول لا القرآن كما ورد استعمال الذكر فيه في قوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ). (٣)
غير سديد بما أفاده السيد المحقق البروجردى قدسسره من أنّه لا يناسب لفظ التنزيل لأنّ المراد منه هو الإنزال التدريجى والإنزال التدريجى يناسب القرآن لا الرسول. (٤)
هذا مضافا إلى ما أفاده السيد الخويى قدسسره أنّ هذه الآية مسبوقة بقوله تعالى (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)) ولا شبهة في أنّ المراد بالذكر في هذه الآية أعنى قوله (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) هو القرآن فيكون ذلك قرينة على أنّ المراد من الذكر فى آية الحفظ هو القرآن أيضا. (٥)
ودعوى أنّ المراد من الحفظ هو حفظه عن تطرق الشبهات مندفعة بأنّ التحريف مضيع
__________________
(١) نهاية الاصول : ١ / ٤٨٤ ـ ٤٨٣.
(٢) الحجر / ٩
(٣) طلاق / ١١ ـ ١٠.
(٤) نهاية الاصول : ١ / ٤٨٤.
(٥) البيان : ١٤٤.