وعليه فيتقدم أصالة عدم التذكية على أصالة الإباحة بالنسبة إلى الأكل بعد ما عرفت من أنّ غير المذكى بنفسه موضوع للحرمة كما يتقدم أصالة عدم الموت على قاعدة الطهارة بالنسبة إلى النجاسة لأنّ الموت أمر وجودي وموضوع للنجاسة ويكون أصالة عدم الموت أصلا موضوعيا بالنسبة إلى قاعدة الطهارة التى كان موضوعها هو الشكّ في الموت وعدمه والتفكيك في اللوازم في التعبديّات لا مانع منه فلا استعباد في الجمع بين حرمة الأكل مع الحكم بالطهارة مع أنّ لازم الحكم بالحرمة هو النجاسة.
ثمّ لا يذهب عليك أنّ جريان الأصل الحاكم وهو أصالة عدم التذكية موقوف على كون غير المذكى موضوعا مركبا من الحيوان الزاهق روحه وغير الوارد عليه التذكية لا موضوعا متصفا بعدم رعاية التذكية الشرعية إذ أصالة عدم التذكية لا تثبت الاتصاف.
وأيضا جريان أصالة عدم التذكية مشروط بما إذا لم يكن عموم يدل على قابلية كل حيوان التذكية وإلّا فلا مجال لجريان الأصل المذكور.
وأيضا جريان أصالة عدم التذكية يتوقف على ما إذا لم يكن أصلا موضوعيا آخر يدل على قبوله للتذكية كما إذا شك مثلا في أنّ الجلل في الحيوان هل يوجب ارتفاع قابليته للتذكية أم لا فأصالة قبول الحيوان للتذكية مع الجلل محكمة ومع أصالة قبوله للتذكية لا مجال لأصالة عدم تحقّق التذكية فهو قبل الجلل كان يطهر ويحل بالفري مع سائر شروطها فالأصل أنّه كذلك بعده.
فتحصل أنّ مع جريان أصالة عدم التذكية يحكم بحرمة أكل اللحم وعدم جواز الصلاة فيها وأمّا النجاسة فهي غير مرتبة على غير المذكى حتى يحكم بثبوتها مع جريان أصالة عدم التذكية بل هي مرتبة على عنوان الميتة وهو أمر وجودى ومع جريان أصالة عدم الموت يحكم بعدم النجاسة.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ المتصف بالموت هو الحيوان لا اللحم والشاهد لذلك أنّه لا يقال : مات اللحم والجلد بل يقال مات الحيوان وعليه فالتذكية صفة في الحيوان لا في أجزائه ومقتضى ذلك عدم جريان أصالة عدم التذكية في الجلود واللحوم وغيرهما من الأجزاء المنفصلة المرددة بين كونها من المذكى أو غير المذكى.