أنّه قد يتوهّم وقوع التحريف في الكتاب العزيز حسب ما ورد في بعض الأخبار ومعه يحتمل وجود القرينة على إرادة خلاف الظّاهر فيما سقط منه بالتحريف وهو يوجب عروض الإجمال المانع من التمسّك به لأنّه يكون من باب احتمال قرينيّة الموجود لا من باب احتمال وجود القرينة ليدفع بأصالة عدم وجود القرينة وأجيب عنه أوّلا : بأنّ هذا التوهّم لا وقع له إذ احتمال التحريف لا مجال له بعد كون القرآن في رتبة من الأهمّيّة عند المسلمين في عصر النبي صلىاللهعليهوآله حفظته الصّدور زائدة على الكتابة بحيث لا يمكن تحريفه حتّى عن الصّدور الحافظة له هذا مضافا إلى أنّ شعار الإسلام وسمة المسلم كان هو التجمّل والتكمّل بحفظ القرآن واستمرّ المسلمون على ذلك حتّى صاروا في زمان الرسول صلىاللهعليهوآله يعدّون بالالوف وعشراتها ومئاتها وكلّهم من حملة القرآن وحفّاظها وإن تفاوتوا في ذلك بحسب السابقة والفضيلة فاستمرّ القرآن الكريم على هذا الاحتفاء العظيم بين المسلمين جيل بعد جيل ترى له في كلّ آن ألوفا مؤلّفة من المصاحف وألوفا مؤلّفة من المصاحف وألوفا من الحفّاظ ولا تزال المصاحف ينسخ بعضها على بعض والمسلمون يقرأ بعضهم على بعض ويسمع بعضهم من بعض تكون ألوف المصاحف رقيبة على الحفّاظ والوف الحفّاظ رقباء على المصاحف وتكون الالوف من كلا القسمين رقيبة على المتجدّد منهما لقول الالوف ولكنّها مئات الالوف والوف الالوف فلم يتّفق لأمر تاريخي من التّواتر مثل ما اتفق للقرآن الكريم كما وعد الله جلّ جلاله بقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
وقد بلغ حرص المسلمين على توفّى الدقّة في ضبط القرآن إلى أنّهم إذا عثروا في المصاحف القديمة للمصدر الأوّل على كلمة مكتوبة على خلاف القواعد المعروفة للإملاء يبقونها ولا يتجرءون على تغييرها ومواردها متعدّدة ليس هنا محلّ تفصيلها.
وثانيا : بأنّ الأخبار التي يستشمّ منها وقوع التحريف لا اعتبار بها بعد إعراض الأصحاب عنها هذا مضافا إلى ضعفها سندا ودلالة وتناقض مضمونها مع رجوع قسم وافر منها إلى وصفهم علماء الرجال بضعف الحديث وفساد المذهب والكذب.