وسعهم وطوقهم ؛ إذ ذاك ظلم من المكلِّف وعبث منه ، وأنّه لا يجوز أن يجعل جلّ وتقدّس اختيار من يستوي سريرته بعلانيته ، ومن لا يجوز ارتكاب الكبائر الموبقة والغصب (١) والظلم منه إلى من لا يعلم السرائر والضمائر ، فلا يسع (٢) أحداً جهل هذه الأشياء ، وإن وسع العاجز بعجزه ترك مايعجز عنه ، فإنّه لا يسعه الجهل بالإمام البرّ الذي هو إمام الأبرار ، والعاجز بعجزه معذور والجاهل غير معذور ، فلا يجوز أن لا يكون للأبرار إمام ، وإن كان مقهوراً في قهر الفاجر والفجّار ، فمتى لم يكن للبرّ إمام برّ قاهر أو مقهور فمات ميتة جاهليّة إذا مات وليس يعرف إمامه.
فإن قلت : فما تأويل عهد الحسن عليهالسلام وشرطه على معاوية بأن لايقيم عنده شهادة لإيجاب الله عليه عزوجل إقامة شهادة بما علمه قبل شرطه على معاوية .
قيل : إنّ لإقامة الشهادة من الشاهد شرائط ، وهي : حدودها التي لايجوزتعدّيها ؛ لأنّ من تعدّى حدود الله عزوجل فقد ظلم نفسه ، وأوكد شرائطها إقامتها عند قاض فصل وحَكَم عدل ، ثمّ الثقة من الشاهد أن يقيمها عندمن تجرّ شهادته حقّاً ويميت بها إثرة (٣) ، ويزيل بها ظلماً ، فإذا لم يكن من يشهد عنده سقط عنه فرض إقامة الشهادة.
ولم يكن معاوية عند الحسن عليهالسلام أميراً أقامه الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله ، أوحاكماً من وُلاة الحكم ، فلو كان حاكماً من قِبَل الله وقِبَل رسوله ، ثمّ علم
__________________
(١) في «ش» والبحار : والغضب.
(٢) في النسخ : فلا يسمع ، وهو تصحيف. وما أثبتناه من البحار.
(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : استأثر بالشيء : استبدّ به ، وخصّ به نفسه. القاموس المحيط ٢ : ٤ .