بما (١) جعله الله لهم ، فلا يسقون ولا يطعمون ، فبُعداً وسحقاً لما كسبته أيديكم (٢) ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٣) » فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه.
فكتب الحسن عليهالسلام من فوره ذلك إلى معاوية :
«أمّا بعد ، فإنّ خطبي (٤) انتهى إلى اليأس من حقٍّ أُحييه وباطل اُميته ، وخطبك خطب من انتهى إلى مراده ، وإنّني أعتزل هذا الأمر وأُخلّيه لك ، وإن كان تخليتي إيّاه شرّاً لك في معادك ، ولي شروط أشترطها لا تبهظنّك (٥) إن وفيت لي بها بعهد ، ولا تخف إن غدرت» ، وكتب الشرط في كتاب آخر فيه يمنّيه بالوفاء ، وترك الغدر : «وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممّن نهض في الباطل أو قعد عن الحقّ حين لم ينفع الندم ، والسلام».
فإن قال قائل : من هو النادم الناهض ، والنادم القاعد ؟
قلنا : هذا الزبير ذكره أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما أيقن بخطأما أتاه ، وباطل ما قضاه ، وبتأويل ما عزّاه ، فرجع عنه القهقرى ، ولو وفى بما كان في بيعته لمحا نكثه ، ولكنّه أبان ظاهراً الندم والسريرة إلى عالمها.
وهذا عبدالله بن عمر بن الخطّاب روى أصحاب الأثر في فضائله أنّه
__________________
(١) في «ج ، ل ، ش ، ع ، س ، ح» : ممّا ، وفي حاشية «ج ، ل» عن نسخة كما في المتن.
(٢) في «ج ، ل ، ح ، س» : أيديهم ، وفي حاشية «ج ، ل» عن نسخة كما في المتن.
(٣) سورة الشعراء ٢٦ : ٢٢٧.
(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : الخطب : الأمر والشأن. القاموس المحيط ١ : ٨٣.
(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : بهظه الأمر ، كمنع : غلبه وثقل عليه. القاموس المحيط ٢ : ٣٩٣.