موسى الرضا لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قَبِل ولاية العهد طمعاً في الخلافة» ؟ فغضب المأمون ثمّ قال : إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه ، وقد أمنت سطوتي ، فبالله اُقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك.
فقال الرضا عليهالسلام : «قد نهاني الله عزوجل أن اُلقي بيدي إلى التهلكة (١) ، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك وأنا أقبل ذلك على أن لا اُولي أحداً ، ولاأعزل أحداً ، ولا أنقض رسماً ، ولا سنّة ، وأكون في الأمر بعيداً مشيراً» ، فرضي منه بذلك وجعله وليّ عهده على كراهة منه عليهالسلام لذلك (٢) .
[ ٤٣٠ / ٢ ] حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر رضياللهعنه ، قال : حدّثنا جعفر ابن محمّد بن مسعود ، عن أبيه ، قال : حدّثنا محمّد بن نصير ، عن الحسن ابن موسى ، قال : روى أصحابنا عن الرضا عليهالسلام أنّه قال له رجل : أصلحك الله ، كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون ، فكأنّه أنكر ذلك عليه ، فقال له أبوالحسن عليهالسلام : «يا هذا ، أيّما أفضل النبيّ أو الوصيّ ؟ ».
فقال : لا ، بل النبيّ.
قال : «فأيّما أفضل مسلم أو مشرك ؟ » قال : لا ، بل مسلم.
قال : «فإنّ العزيز عزيز مصر كان مشركاً ، وكان يوسف عليهالسلام نبيّاً ، وإنّ المأمون مسلم وأنا وصيّ ، ويوسف سأل العزيز أن يولّيه حين قال : ( اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) (٣) والمأمون أجبرني
__________________
(١) في «ج ، ل» : الهلكة ، وفي هامشهما كما في المتن.
(٢) ذكره المصنّف في العيون ٢ : ٢٧٠ / ٣ ، الباب ٤٠ ، والأمالي : ١٢٥ / ١١٥ ، ونقله الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين ١ : ٥٠٥ / ٥٠٢ ، وابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب٤ : ٣٩٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٩ : ١٢٨ / ٣.
(٣) سورة يوسف ١٢ : ٥٥.