فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ، فإنّما بحكم الله استخفّ وعلينا قد ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله).
قلت : فإن كان كلّ رجل يختار رجلا من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، فاختلفا في ما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟.
قال : (الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ، وأصدقهما في الحديث وأورعهما. ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر).
قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على الآخر؟.
قال : (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الامور ثلاثة ، أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ
____________________________________
(ونظر في حلالنا وحرامنا).
ويفهم من هذا أنّ المرجع في الحكومة والفتوى هو من يكون له ملكة الاستنباط ويكون مجتهدا قادرا على الاستنباط ، فلا يجوز للعامّي أن يكون مرجعا فيهما ، وهو إجماعي بين العلماء ، وإن مال بعض المتأخّرين إلى خلافه ، فجوّز قضاء المقلّد إذا كان عالما بطرق القضاء من جهة التقليد ، والتفصيل في الفقه.
وكذلك قوله : (وعرف أحكامنا) يدلّ على أنّه لا يكفي في القضاء والفتوى تحصيل القوّة في الاستنباط ، بل لا بدّ له مع ذلك من المعرفة الفعليّة لمعظم الأحكام ، وإن كان تحصيل القوّة في استنباط جميع الأحكام لا ينفكّ عن ذلك ، ثمّ إنّ الفقرتين تدلّان على لزوم تحصيل الملكة لاستنباط جميع الأحكام ، فلا يجوز قضاء المتجزّي ولا فتواه ولا تقليده في ذلك ، كما في شرح التنكابني.
(فإنّي قد جعلته عليكم حاكما).
يفهم من هذا أنّ الحكم حقّ الإمام عليهالسلام ، فلا يجوز لأحد التصدّي له ، إلّا بإذنه وإجازته ونصبه ، وقد نصّب الحكّام بهذا الكلام الصادر من الإمام عليهالسلام ، فلا يتصوّر بعده قاضي التحكيم ، كما في التنكابني (قال : (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه) المجمع