فضلا عن عدالتهم ، فلا يفيد كلامهم علما ولا ظنّا (١).
وهو ضعيف غايته ، فإنها وإن كانت مبتنية على الكروية ولكن دعوى أنه لا دليل عليها إن أريد القطعي فلا بأس به ، وإن أريد الأعم فخلاف الواقع ، حيث إنّ إفادة الأدلة الآتية ـ المفصّلة في محالّها ـ للظن القوي بكرويتها ممّا لا مجال للريب فيها ، بل لا يبعد أن يحصل من اجتماعها العلم العادي للممارس المتفرّس.
وأمّا القول بأنها لا توافق ظواهر الشرع فلم نعثر على ظاهر واحد ينافيها ، وبعض الآيات التي ذكروها غير دالّة على خلافها جدّا.
مع أنّ أكثر عظماء علماء الشريعة صرّحوا بكرويتها ، منهم الفاضل في كتاب الصوم من التذكرة (٢) ، وولده فخر المحقّقين في الإيضاح (٣) ، وغيرهما (٤).
وأمّا أنّ شيئا من تلك القواعد ليس عليه دليل تام فكلام خارج عن الإنصاف جدّا ، كيف ومع أنّ أكثرها يثبت بالدلائل الهندسية والبراهين المجسطية (٥) التي لا يتطرق إليها ثبوت شبهة.
وأمّا حديث عدم الوثوق بأهله وعدم عدالتهم فلا يصلح الإصغاء إليه ، فإنه لا يشترط في ذلك حصول اليقين. ورجوع الفقهاء فيما يحتاجون إليه في كلّ فن إلى علمائه وتعويلهم على قواعدهم إذا لم يخالف الشرع شائع ذائع ، كما في مسائل النحو واللغة والطب والحساب ، من غير بحث عن عدالتهم. بل يأخذون تلك المسائل مسلّمة ، للظن الغالب بأنّ جماعة من حذّاق صناعة إذا اتّفقت كلمتهم
__________________
(١) قد أنكر صاحب الحدائق كروية الأرض في كتاب الصوم ( ج ١٣ ص ٢٢٦ ) وقال : إن ساعدني التوفيق أكتب رسالة شافية في دفع هذا القول. واستشكل صاحب المدارك من ناحية إسلام الهيويين وعدالتهم. المدارك ٣ : ١٢١.
(٢) التذكرة ١ : ٢٦٩.
(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٢.
(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٩ ، والمجلسي في مرآة العقول ١٧ : ١١.
(٥) المجسطي : موسوعة فكلية برهانية ، ألّفها بطليموس ، وترجم إلى العربية أكثر من مرة.